-
℃ 11 تركيا
-
29 سبتمبر 2025
د. علاء الدين سعفان يكتب: كنز اقتصادي على فوهة بركان جيوسياسي
أرقام تتحدث عن عالم آخر
د. علاء الدين سعفان يكتب: كنز اقتصادي على فوهة بركان جيوسياسي
-
28 سبتمبر 2025, 4:15:17 م
-
451
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
في الوقت الذي يئن فيه الشعب الأفغANI تحت وطأة زلازل مدمرة فاقمت من أزمته الإنسانية، يجد بلده نفسه مرة أخرى في قلب عاصفة جيوسياسية. فبينما تحاصره الطبيعة بغضبها، تضيق عليه السياسة الخناق ببيانات التهديد الإقليمية والمطالب الدولية المستحيلة، متجاهلةً ما قد تملكه هذه الأرض الحبيسة من حلول لأزمات العالم الاقتصادية.
مناورة البيان الرباعي:
ضغط إضافي أم حماية للمصالح؟
لم يكد غبار الزلزال ينقشع، حتى صدر بيان مشترك عن جيران أفغانستان (روسيا، الصين، إيران، وباكستان)، موجهاً اتهاماً صريحاً لحكومة كابول بـ"إيواء تنظيمات إرهابية" تشكل خطراً على أمن المنطقة. البيان، وإن عكس قلقاً مشروعاً لدى هذه الدول من جماعات مثل "داعش - ولاية خراسان"، إلا أن توقيته وأسلوبه يحملان دلالات استراتيجية أعمق. فبدلاً من تقديم الدعم لدولة منكوبة وتفعيل قنوات التعاون الأمني المشترك، اختارت الدول الأربع لغة التحذير التي تزيد من عزلة أفغانستان وتدفعها إلى مزيد من التصلب. يرى مراقبون أن هذا البيان هو ورقة ضغط تهدف إلى إجبار كابول على تقديم تنازلات أمنية، لكنها قد تأتي بنتائج عكسية، معززةً سردية "العالم ضدنا" لدى صناع القرار في أفغانستان.
صدى قاعدة "بغرام":
سيادة وطنية في مواجهة طموحات القوة العظمى
على جبهة أخرى، عادت إلى الواجهة أزمة "قاعدة بغرام الجوية"، القلب الاستراتيجي السابق للوجود العسكري الأمريكي في آسيا الوسطى. فقد صعد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من لهجته، مهدداً بعواقب وخيمة إن لم تتسلم الولايات المتحدة القاعدة التي أنفقت عليها المليارات.
تكمن أهمية "بغرام" في موقعها الفريد الذي يمكنها من مراقبة أجزاء واسعة من الصين وروسيا وإيران. ومن وجهة نظر استراتيجية أمريكية، يمثل التخلي عنها "خطأً فادحاً"، خصوصاً وأنها تبعد، حسب تصريحات ترامب، "ساعة واحدة فقط عن منشآت الصين النووية". لكن بالنسبة للحكومة الأفغانية، فإن تسليم القاعدة يمثل انتحاراً سياسياً ومسألة سيادة لا تقبل المساومة. لقد قاتلوا عشرين عاماً لإنهاء الوجود الأجنبي، والتفريط بأهم رمز لهذا الوجود هو أمر مستحيل، وهو ما أكدته كابول في ردها الحازم بأن "الاتفاق حتى على شبر واحد من أرض أفغانستان مستحيل".
التريليونات المدفونة:
أرقام تتحدث عن عالم آخر
بعيداً عن ضجيج السياسة والتهديدات، تكمن الحقيقة الأهم التي يتجاهلها العالم: أفغانستان تقف على كنز قد يغير موازين الاقتصاد العالمي. التقديرات التي أجرتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية والبنتاغون تشير إلى ثروات معدنية تتراوح قيمتها بين 1 إلى 3 تريليون دولار. هذه ليست مجرد أرقام، بل هي احتياطيات استراتيجية هائلة:
* الليثيوم:
أطلق البنتاغون على أفغانستان لقب "السعودية الجديدة في عالم الليثيوم". فاحتياطياتها الهائلة من هذا "النفط الأبيض" يمكن أن تلبي الطلب العالمي المتزايد على بطاريات السيارات الكهربائية والأجهزة الذكية، وتكسر الاحتكار شبه الكامل للصين في هذا القطاع.
* النحاس:
يُعتقد أن منجم "مس عينك" وحده يحتوي على أكثر من 11 مليون طن من النحاس، مما يجعله أحد أكبر الرواسب غير المستغلة في العالم.
* الحديد:
يضم منجم "حاجي كك" احتياطياً يقدر بنحو 2.2 مليار طن متري من خام الحديد عالي الجودة، وهو ما يكفي لتلبية احتياجات الصناعة الأوروبية لسنوات طويلة.
* المعادن الأرضية النادرة (REEs):
تقدر الاحتياطيات في منطقة واحدة فقط (خانشين) بحوالي 1.4 مليون طن متري، وهي عناصر لا غنى عنها في الصناعات الدفاعية والتكنولوجية المتقدمة.
هذه الثروات، إن تم استغلالها بحكمة، لا يمكنها فقط انتشال أفغانستان من فقرها، بل يمكنها أيضاً أن تساهم في استقرار سلاسل التوريد العالمية التي تعاني من الاضطراب، وتوفر بديلاً استراتيجياً للهيمنة الصينية على موارد المستقبل.
رؤية للمستقبل:
من لغة القوة إلى حكمة المصالح
إن استمرار المجتمع الدولي، سواء كان غربياً أم شرقياً، في التعامل مع أفغانستان من منظور أمني وعقابي فقط هو وصفة لكارثة مستمرة. السياسات الحالية، من تجميد للأرصدة إلى بيانات التهديد، لم تؤد إلا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وخلق فراغ استراتيجي تملؤه الصين بهدوء.
الحل يكمن في تغيير جذري للمقاربة، والانتقال إلى سياسة "الاقتصاد أولاً" و "الدبلوماسية الاقتصادية".
يجب على القوى العالمية أن تدرك أن مصالحها تكمن في أفغانستان مستقرة ومزدهرة.
بدلاً من التنافس، يمكن تشكيل (( ائتلاف دولي للتنمية )) يضمن الشفافية ويشرك الأفغان في استغلال ثرواتهم. وذلك بعد اعتراف دولي بحكومة كابول وفك الحظر عن أرصدة الدولار الأمريكي.
وبدلاً من فرض شروط ثقافية مستحيلة، يمكن التركيز على المصالح الاقتصادية المشتركة التي تبني الثقة تدريجياً.
تقف أفغانستان اليوم عند مفترق طرق. يمكنها أن تبقى مصدراً للأخبار السيئة، أو أن تصبح جزءاً من المجتمع الدولي ومدخلا لحل أزمات العالم الاقتصادية.
إن الاختيار ليس بيد الأفغان وحدهم، بل هو أولا في يد مجتمع دولي متشاكس يميل إلى الحماقة ويشعل الصراعات والحروب وهو مطالب اليوم بالحكمة والبصيرة، ليرى الكنز الاقتصادي الكامن خلف سحب الدخان السياسي في أفغانستان وغيرها مثل ليبيا وسوريا وأوكرانيا وغزة وغيرها.










