-
℃ 11 تركيا
-
4 أغسطس 2025
رغد الكناني تكتب: معركة باب خيبر
منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، دخلت العلاقة بين إيران وإسرائيل مرحلة عدائية عميقة لم تهدأ يومًا، بل شهدت تصاعدًا مستمرًا حتى أصبحت واحدة من أكثر بؤر التوتر تعقيدًا في الشرق الأوسط. بانتصار الثورة، تبنت الجمهورية الإسلامية نهجًا أيديولوجيًا قائمًا على العداء المطلق لإسرائيل، ورفعت شعار “الموت لإسرائيل” كجزء من خطابها السياسي والديني. هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في اللغة، بل تحول استراتيجي عميق رسّخ نفسه في صلب السياسة الخارجية الإيرانية.
تدريجيًا، أصبحت إيران لاعبًا إقليميًا لا يمكن تجاهله، ليس فقط بسبب ثقلها الجغرافي والديمغرافي، بل أيضًا بسبب مشروعها الثوري العابر للحدود، والذي شمل دعم الحركات المسلحة المناهضة لإسرائيل في فلسطين ولبنان، مثل “حزب الله” و”حماس” و”الجهاد الإسلامي”. بالنسبة لإسرائيل، شكّل هذا الدعم تحديًا وجوديًا، خاصة مع تطور قدرات هذه الجماعات من مجرد تنظيمات مقاومة إلى قوى عسكرية تمتلك ترسانات صاروخية متقدمة، وقادرة على ضرب العمق الإسرائيلي من جبهات متعددة.
لكن التوتر بين الجانبين لم يبقَ في حدود الدعم غير المباشر أو التصريحات السياسية، بل تحوّل إلى صراع فعلي وإن لم يلبس بعدُ شكل الحرب المفتوحة. خلال العقدين الماضيين، دخل الطرفان في مواجهة غير معلنة، يصفها البعض بـ”حرب الظل”، حيث تدور رحاها في الخفاء عبر اغتيالات، عمليات سيبرانية، غارات جوية، وتخريب متبادل للمصالح الحيوية.
فإسرائيل نفذت مئات الضربات الجوية على أهداف إيرانية داخل سوريا، مستهدفة شحنات أسلحة ومراكز تمركز لمقاتلي “فيلق القدس”، الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني. في المقابل، لم تتوانَ إيران عن تعزيز حضورها الإقليمي، سواء عبر دعم الحوثيين في اليمن أو عبر تقوية الجبهات في لبنان وغزة والضفة الغربية والعراق.
أحد أبرز محاور هذا الصراع يتمثل في البرنامج النووي الإيراني، الذي ترى فيه إسرائيل تهديدًا استراتيجيًا لا يمكن التهاون معه. فامتلاك إيران لقدرات نووية كبيرة يعني بالنسبة لإسرائيل أن ميزان القوى سيتغير بشكل جذري. ولهذا السبب، سعت إسرائيل بكل طاقتها لعرقلة هذا المشروع، سواء عبر الضغط الدولي لإبقاء العقوبات على طهران، أو من خلال تنفيذ عمليات سرية استهدفت علماء نوويين ومنشآت حيوية داخل إيران. اغتيال العالم محسن فخري زاده، أحد العقول في البرنامج النووي الإيراني، شكّل لحظة فاصلة في هذا السياق، وأشّر إلى مدى استعداد إسرائيل للمخاطرة من أجل منع إيران من الوصول إلى ما تعتبره “نقطة اللاعودة”.
إيران تدرك أن الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل سيجرّ عليها ضربات عسكرية واثبتت ايران للجميع دول العالم طاقتها الحربية الكبيرة ، ربما يفتح الباب لتدخل أمريكي واسع، ، تعلم إسرائيل أن أي ضربة كبيرة قد تفجّر المنطقة، وتُشعل جبهات متزامنة من الجنوب (غزة) والشمال (لبنان وسوريا)، وهو سيناريو كارثي يصعب التحكم به.
في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد تصاعد التوتر في المنطقة على خلفية الحرب في غزة عام 2024، بدا أن الصراع بدأ يخرج تدريجيًا من ظلاله. الضربات أصبحت أكثر وضوحًا، والتهديدات باتت أكثر صراحة، فيما تتحرك الجبهات جميعها بتناغم يثير القلق، وكأن إيران تختبر قدرة إسرائيل على خوض حرب متعددة الجبهات في آنٍ واحد. التغيرات الجيوسياسية العالمية، مثل انشغال الولايات المتحدة بمحاور أخرى وصعود أدوار روسيا والصين في المنطقة، أضعف من القدرة الدولية على كبح جماح الطرفين، وخلق فراغًا استراتيجيًا يُخشى أن يُملأ بالنار.
فهم هذا الصراع بمعزل عن البعد الرمزي والديني الذي يضفي عليه تعقيدًا إضافيًا. فإيران لا ترى في إسرائيل مجرد دولة، بل تمثل في خطابها “نموذجًا للهيمنة الغربية” في قلب الأمة الإسلامية، وتعتبر معاداتها واجبًا دينيًا وثوريًا. أما إسرائيل، فتتعامل مع إيران كتهديد مصيري، لا يتعلق فقط بمصالحها الآنية، بل بوجودها كدولة في منطقة لا تزال في كثير من أجزائها ترفض الاعتراف بها.
في ظل هذه الصورة القاتمة، يبقى السؤال الأساسي: هل يتجه الطرفان نحو الحرب المفتوحة، أم أن حرب الظل ستظل الوسيلة المفضلة لكليهما لتحقيق الردع المتبادل دون الانزلاق إلى المواجهة الشاملة؟ الجواب لا يزال معلقًا، لكن الواضح أن المنطقة تقف على حافة هاوية، وأن أي شرارة صغيرة قد تكفي لإشعال حريق لا يمكن احتواؤه بسهولة.








