تهجير قسري وتدمير استراتيجي لغزة تحت ظل الدعم الأميركي

د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: ملحمة مدينة غزة لهزيمة التهجير والتطهير العرقي

profile
د. محمد إبراهيم المدهون كاتب ووزير فلسطيني سابق
  • clock 21 أغسطس 2025, 1:37:22 م
  • eye 414
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

تدمير وتهجير واحتلال غزة، المعروف بـ"عربات جدعون2"، ليست مجرد عملية عدوان عابرة، بل حلقة جديدة في مشروع الإبادة والتهجير القسري للقطاع، تحمل بعدًا استراتيجيًا يهدف إلى إخضاع غزة وإفراغها، مع إسقاط أي مسار تفاوضي، واستغلال التواطؤ الإقليمي والدعم الأميركي المباشر لإعادة إنتاج النكبة بصيغ أشد عنفًا. تعكس هذه العملية عنجهية نتنياهو وتطرفه اليميني، الذي يضحّي بأسراه لتحقيق أهدافه الشخصية والبقاء السياسي، والإفلات القانوني.

 

نقرأ التعنت من حكومة الاحتلال الفاشية وإقرارها حرق غزة بأهلها بالإبادة والتطهير العرقي إيمانياً، إذ: "لا نتمنى لقاء العدو، فإذا لقيتموه فاثبتوا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف". ندعو الله تعالى لحفظ أهلنا وبيوتنا من الدمار، مع إدراك أن مواجهة العدوان ليست خيارًا، بل واقع مفروض يستدعي الصمود والثبات. فمع عنجهية نتنياهو وتطرفه الذي لا يعرف حدودًا، يصبح الصبر على البلاء والمواجهة السبيل الوحيد للحفاظ على الأرض والكرامة، فالصمود اليوم هو الجدار الذي يحمي حاضرنا ومستقبل أجيالنا، ودرع يحفظ الإنسانية في وجه آلة الإبادة.

 

ونقرأ هذه العربدة والغرور في سياق سنن الله باستدراج الظالمين: "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين"، حيث تتحوّل مؤامرات المعتدين إلى فخ يوقعهم في مأزقهم ويثبت أن الله مع الصابرين والمستضعفين. هذا العدوان اختبار متجدد لصبر غزة وأهلها الأسطوري، ليُظهر صدقهم في الثبات والمقاومة: "إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني"، ولتتحقق بهم وعد الله: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض" (القصص: 5). فصبر الغزيين وإيمانهم بأن الأرض لا تُسترد إلا بالثبات يجعل كل محنة فرصة لتأكيد هويتهم، وإظهار صلابة إرادتهم، وكشف جبروت المعتدي أمام العالم: "عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين".

 

لا خيار أمام غزة إلا أن تصمد في وجه الإبادة الجماعية، مستفيدة من دعم المجتمع الدولي المتزايد، ولكسر التعتيم على جرائم الإبادة والمحرقة تنظيم حملات التوثيق والبث الإعلامي من جميع الجهات، حيث إن عصابات الإبادة لا تتورع عن قتل الإعلاميين، وآخرهم فريق الجزيرة، ومنع الصحافة العالمية من الاقتراب من غزة أو تصوير أي مشهد من إبادة غزة، بما في ذلك من طائرات المساعدات.

 

الإبادة هنا لا تقتصر على البشر والحجر والشجر فقط، بل تشمل الجوانب النفسية والاجتماعية، بهدف زعزعة ثقة المجتمع وإثارة الفوضى. لمواجهة ذلك، تتطلب الأمور وحدة وطنية صلبة، توحيد الخطاب السياسي والإعلامي، وتفعيل منابر شبابية ومجتمعية للتوعية. لا يقل الدعم النفسي والاجتماعي أهمية عن الجوانب العسكرية، من خلال فرق مجتمعية وأمنية لرصد الفتنة، وتنظيم حملات إعلامية موحدة، وتشكيل لجان مجتمعية ونظام مراقبة لحماية المجتمع. فالجبهة الداخلية في غزة ركن أصيل في الثبات والصبر حتى اندحار عصابات الإبادة، ويستلزم ذلك وجود قيادة محلية مجتمعية وطنية واضحة، بمشاركة الشباب، وتوجيهات موحدة مستمرة.

 

المقاومة اليوم وجهت صفعة قوية لجيش الاحتلال في خانيونس لتكون "بروفة" لما سيحدث مرارًا في ركام غزة، مؤكدة أن أي اجتياح شامل سيكون مغامرة. وسط ذلك، يحذر مفكرون وعسكريون صهاينة من العواقب الوخيمة لاحتلال غزة، بما في ذلك خسائر الجيش، مقتل جنود الاحتلال الأسرى، استمرار وجود حماس، والتبعات الاقتصادية والسياسية التي قد تهوي ب(إسرائيل) إلى الحضيض. ولمواجهة هذا العدوان المسعور، تعتمد المقاومة تكتيكات الاستطلاع والتحركات السريعة، وضرب تجمعات العدو، مع تعزيز التنسيق العسكري والمخابراتي، واستخدام حرب العصابات لإضعاف قوات الإبادة وهزيمتها ميدانيًا ونفسيًا، مستندة إلى قوله تعالى: "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين".

 

تُظهر غزة ومقاومتها الصمود والتصميم على حماية الأرض والوجود، مؤكدة أن الشعب الفلسطيني لن يتراجع مهما كان الثمن، لأن التراجع يعني الاجتثاث. غزة ليست معركة عسكرية فحسب، بل معركة هوية ووجود لكل فلسطين، تشمل الضفة والقدس والداخل المحتل، وهي تكشف زيف العالم الغربي وخذلان العالم العربي والإسلامي الذي يصمت على جرائم التطهير العرقي. في المقابل، تزداد العزلة الدولية لإسرائيل، وتظهر هشاشة جيشها ومجتمعها الداخلي المتشظي أمام صمود الفلسطينيين، فيما تبرز فرص استراتيجية لاستثمار التحولات الشعبية والإقليمية والدولية عبر تعزيز الموقف الفلسطيني بتوحيد القيادة والرؤية الوطنية.

 

غزة، كما كانت دائمًا، الجسر لا الممر، والسد لا الثغرة، ستبقى صخرة أمام كل مشاريع الإبادة وشرارة لكل مشروع تحرير.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)