نظرة.. قصة قصيرة للكاتب شادي طلعت

profile
شادي طلعت كاتب وحقوقي مصري
  • clock 21 أغسطس 2025, 1:31:58 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

مع بزوغ الفجر، تنفس الصباح أنفاسه الأولى، فاستيقظ (الفتى) وقلبه يخفق شوقاً لرؤية حبيبته، انتظر طويلاً، حتى أطلت عليه، لكنه لم يجد في عينيها دفء العناق، بل وجد أبواباً لا تنغلق من اللوم، والتوبيخ.

اتهمته (الفتاة) تارة بالتقصير، وتارة بالإهمال، ورمته بالفشل في دنيا المال، والمعنى.
كانت كلماتها تتساقط عليه كالحجارة، تصيب جسده، وروحه معاً، فيخبو لهيب شوقه الذي أضناه. 
ومن كان بالأمس يتمنى أن تتوقف عقارب الساعة ليطيل النظر إليها، صار يتمنى أن تسرع عقاربها ليفر من مرارة الحديث.
سارا معاً في صمت يقطع شريان القلب.

كان (الفتى) يوجه بصره إلى الطريق، كأنه يهرب منها، وسأل نفسه بهمس داخلي : كيف أشتاق لمن يجرحني؟ كيف أحيا باللوم ؟
ثم مال برأسه إليها فجأة، وألقى عليها نظرة عتاب ..
فبادلته هي أيضاً بنظرة خاطفة من طرف عينها، نظرة صامتة أبلغ من ألف كلمة، فانقشعت الغيوم عن قلبه ..
كانت نظرة (الفتاة) عابرة، غير ناطقة، لكنها فتحت أبواباً من المعنى.

قرأ فيها (الفتى) الشوق، والحنين، والخوف، والحرص، فهم أن لومها قناع للحب، وأن التوبيخ ستار للغيرة، قرأ خوفها عليه، ورغبتها في أن تراه في أبهى حال.

أدرك حينها أن لومها لم يكن جفاء، بل كان حباً متخفياً في ثوب القسوة، وحرصاً متنكراً في صورة التوبيخ.
ومضيا حتى خلا بها عند زاوية هادئة، وكانت (الفتاة) تنتظر كلامه متوترة، مترقبة، لكن (الفتى) اكتفى بابتسامة هادئة.
سألته (الفتاة) أما زلت صامتاً ؟ ألن تعاتبني ؟ ألن تجادلني ؟
وإذ بها تنتظر أن يفتح دفاتر العتاب، أو أن يحصي كلماتها الجافية كلمة كلمة، إلا أن (الفتى) ابتسم وقال :
(علمت الآن أن حبك لي قد فاق عشقي لك)
صمتت (الفتاة)، واتسعت عيناها دهشة، ثم باتت تنخفض بنظرة خجولة.

إن (الفتاة) لم تدرك أن (نظرتها العابرة) كانت أصدق من حديثها، وأبلغ من اعتذارها، كانت نظرتها مرآة روحها، وكاشفة سرها.

كلمات دليلية
التعليقات (0)