-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: غزة الأيقونة وثعلب المفاوضة وهدنة مؤجلة
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: غزة الأيقونة وثعلب المفاوضة وهدنة مؤجلة
-
22 يوليو 2025, 9:45:29 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: غزة الأيقونة وثعلب المفاوضة وهدنة مؤجلة
تظل غزة الأيقونة الحية للصمود والتحدي في وجه آلة الاحتلال، رمزًا لإرادة لا تنكسر، وشعب لا يقبل الخضوع رغم الدمار والحصار. أمام هذه الحقيقة يقف ثعلب المفاوضة، النتن ياهو، الماكر في المناورة والمراوغة، الذي ينتهج أساليب التفاوض والقتل معًا، مزجًا بين أوراق الضغط وسياسة تأجيل الحسم، ما يجعل الهدنة الموعودة أفقًا مؤجلًا لا يلوح في الأفق موعده.
في ظل شبه انهيار المنظومة العسكرية والسياسية للاحتلال، وتزايد الضغوط الدولية، تتبلور ملامح صفقة مرحلية في غزة، لكن العمليات العسكرية فقدت فاعليتها، وارتفعت كلفة الحرب دون تحقيق اختراق حاسم، ما دفع قادة الاحتلال للتلميح بضرورة مخرج تفاوضي يحفظ ماء وجه المؤسسة الأمنية. من خلال شق "محور مَاغين عوز" في خانيونس، تسعى إسرائيل لفرض أمر واقع ميداني جديد عبر تقسيم المدينة، وخلق مناطق آمنة تحت سيطرتها، وذلك لتوسيع هامش التفاوض، واستثمار المساعدات الإنسانية كأوراق ضغط، لكن كل هذا لا يعدو كونه تجسيدًا جديدًا لفشل الاحتلال في فرض السيطرة، فغزة التي أسقطت أسطورة نتساريم ومفلاسيم وموراج وتكسرت عليها أوهام الجيش، تثبت مرة أخرى أن الأرض لا تُحكم بالخرائط بل بالإرادة.
رغم الانهيارات الداخلية في صفوف الاحتلال، وارتفاع معدلات الانتحار بين الجنود، لا تزال المفاوضات تدور في دوامة من المراوغة والتضليل. النتن ياهو يتصرف كثعلب ماكر، يجمع بين مسرحية التفاوض القائم على خداع الوسطاء، والتصعيد العسكري الذي يبتز المدنيين، ليكسب الوقت ويحافظ على موقعه السياسي الهش. أما المقاومة، فهي تقف بثبات، تدافع عن الأرض والكرامة، وترفض أن تُفرض عليها صفقة لا توقف المحرقة السادية، مع إدراكها للتحديات الأخلاقية والميدانية التي تفرضها الظروف القاسية.
هذه الحرب ليست فقط صراعًا عسكريًا، بل استثمار دموي سياسي واقتصادي يُعيد تشكيل المنطقة، حيث تُعاد تدوير الحرب داخليًا لتمتين حكم النتن ياهو، وشركات المقاولات تحصد أرباحًا من ركام المنازل، فيما المقاومة تصر على كسر المعادلة المرسومة لها، لتنتقل من رد الفعل إلى المبادرة الاستراتيجية.
اليمين المتطرف يرفض أي تسوية تُبقي على حماس، بينما النتن ياهو يراوغ بين تسريبات مدروسة وتخبطات إنقاذ مستقبله، مستغلًا تداخل ملفات قانون التجنيد والميزانية، محاولًا تأجيل الانهيار السياسي إلى ما بعد إجازة الكنيست، وربما انتخابات مبكرة. على الجانب الفلسطيني، تبرز حماس كقوة متماسكة، تضع شروطًا واضحة لوقف العدوان، وتدرك أن الزمن ليس في صالح مجرمي الإبادة، رغم تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي.
إدارة ترامب ووسطاء الإقليم يسعون إلى تهدئة مرحلية، لكن تعنت الاحتلال في قضايا جوهرية، يجعل من هذه الجهود احتواءً مؤقتًا لا تسوية حقيقية. في مقابل ذلك، تحافظ المقاومة على قدرتها على توجيه ضربات تؤرق الاحتلال، رغم المحاولات الصهيونية المتكررة لفرض واقع "غيتو رفح" الذي رفضه الفلسطينيون والأوروبيون والمصريون، الذين حذروا من تداعياته الديمغرافية.
في هذا المشهد، لا تكفي البطولة وحدها، بل يجب توظيف الوعي السياسي والمبادرة الاستراتيجية لكسر الحصار المعقد عسكريا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا ونفسيا وإنسانيا. غزة الأيقونة التي تتحدى، وثعلب المفاوضة الذي يراوغ، والهدنة التي تبقى مؤجلة، كلها أجزاء من معركة مستمرة، ليست فقط على الأرض، بل في الوعي، وفي صناعة القرار.
وفي النهاية، تبقى غزة عنوان الصمود والكرامة، التي رغم الجراح والدمار، ترفض الانكسار، وتفرض على الجميع حسابات جديدة في مسار الصراع. والهدنة المؤجلة ليست سوى مرحلة عابرة في ملحمة لم تنتهِ بعد، حيث يقف شعب لا يهاب الموت، ويكتب بدمه فصول النصر القادم بإذن الله.
ِوالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.









