-
℃ 11 تركيا
-
2 أغسطس 2025
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: حنظلة يبحر إلى وجع الإنسانية
إن الوعد بات قريبًا
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: حنظلة يبحر إلى وجع الإنسانية
-
19 يوليو 2025, 6:34:00 م
-
434
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
في زمنٍ أُطفئت فيه أنوار الضمير، وتكسّرت فيه مرايا الإنسانية، ها هو قارب صغير يبحر من أقصى غرب المتوسط. ليس قاربًا عاديًا، بل هو حنظلة... ذاك الفتى الذي أدار ظهره للعالم الظالم، يُبحر اليوم بوجهه نحو غزة، حاملاً على متنه ما تبقّى من عِزّة الشعوب، وشهقة المقهورين، وصرخة المظلومين.
حنظلة لا يحمل سلاحًا، ولا تحرسه غواصات نووية. يحمل الخبز والدواء، يحمل الأمل، يحمل الحقيقة التي خجل منها العالم، ودفنها تحت رماد الازدواجية.
في وجه المدافع، يمضي.وفي زمن الطائرات المسيّرة، يركب البحر كأنما يركب الشهادة. وفوق زبد الموج، يكتب للإنسانية نداءه الأخير:
"افتحوا لغزة نوافذ السماء... أو اتركوا البحر لنا!"
ويا للمفارقة، ينطلق حنظلة في يومٍ تتضامن فيه الشعوب مع جوع غزة.
يومٌ تجفّ فيه البطون ولا تجفّ فيه الكاميرات.
يومٌ يتأرجح فيه جسد طفل على سرير المجاعة، ولا تهتز فيه كراسي الأمم.
فالمحرقة لم تعد حكاية تاريخ، بل بثٌ مباشر.
والسكين لم تعد مجازًا، بل لحم حيّ يُذبح كل فجر.
حنظلة اليوم لا يُبحر وحده.
خلفه أرواح الشهداء، وأيدي الجرحى، وأحلام الأسرى، وحنين الشتات.
يُبحر وهو يعلم أنّ العواصف قد تبتلعه، لكنه يصرخ بوجه الاحتلال:
"الموت في عرض البحر أهون من حياةٍ تُعدَم كل لحظة داخل قفص الإبادة والمحرقة."
لقد آن للزمن أن ينقلب.
آن للعالم أن يرى غزة من البحر، لا من شاشات القتل.
آن لقوافل الأحرار ألا تتوقف: لا برًا، لا بحرًا، لا جوًا.
فلتُبحر السفن من كل مرفأ،
ولتُحلّق الطائرات من كل أرض،
ولتسِر القوافل من كل مدينة…
فكل زاد، وإن قلّ، هو في ميزان غزة وقود حرية،
وكل يدٍ تمتد إليها، ولو بحفنة قمح، هي يد تهدم جدار الظلم والظلام.
أما أولئك الذين يصمتون، أو يقطعون طريق قوافل الصمود و"مادلين"، فليسوا من ركب حنظلة.
لأن من أراد إنقاذ غزة، لا يقطع وريدها، بل يُشعل مرفأها.
لقد سقطت أسطورة التسوية كما سقطت أبراج غزة، حين فشلت في فتح نافذة واحدة للشعب الفلسطيني على العالم.
تهاوت أوراق "أوسلو"، واحترقت خرائط "حل الدولتين"، وبقيت الحقيقة واضحة كالشمس:
لا سيادة دون مرفأ، ولا حرية دون خط بحري يكسر القيد.
من قال إن البحر حكر على الاحتلال؟
من قال إن غزة وُلدت لتُحاصَر؟
من قال إن الميناء حُلم بعيد؟
لقد انسحب الاحتلال من غزة عام 2005، وقدّم وثيقة رسمية لمجلس الأمن يعلن فيها انتهاء مسؤوليته عن القطاع.
فليُفتح البحر إذًا، ولتُكسر قيود الجغرافيا، وليُبحر الغزيون نحو العالم كما يُبحر العالم نحوهم.
وحتى يكتمل الحلم، فلنبدأ بالقليل:
سفن صغيرة، مراكب جرّ، نقاط تفريغ في عرض البحر، عبّارات مؤقتة...
لا يهم كيف، المهم أن نشقّ الموج الأول،
أن نُحدث الثغرة في جدار الصمت،
أن يُقال: "هنا كان الحصار والمحرقة، وهنا ابتدأت الحرية."
ليس مطلوبًا معجزة، بل إصرار.
ليس مطلوبًا جيوشًا، بل مواقف.
ليس مطلوبًا أن تُفتح كل المعابر في لحظة، بل أن نُبقي باب الأمل مواربًا،
بابًا يُدخل ضوءًا إلى غرفة مظلمة منذ 19 سنة.
غزة لا تطلب سوى الحياة.
لا تطلب سوى أن تفتح نافذتها على البحر،
وترى العالم كما يراها.
وحنظلة، هذا القارب الصغير، من السائرين في درب الأمل.
هو رسول الشعوب، وهو لعنة الصامتين والمتخاذلين والمتآمرين.
فيا بحر غزة... افتح صدرك للحرية،
فإن قوارب الكرامة قادمة،
وإن الصمت سينتهي،
وإن الوعد بات قريبًا... قريبًا جدًا.







