-
℃ 11 تركيا
-
20 يونيو 2025
د.لبيب جار الله المختار يكتب: موقف تركيا من التوترات الإيرانية - الصهيونية: توازن دقيق في بحر مضطرب
الدعوة للحوار ورفض التصعيد
د.لبيب جار الله المختار يكتب: موقف تركيا من التوترات الإيرانية - الصهيونية: توازن دقيق في بحر مضطرب
-
20 يونيو 2025, 12:05:39 م
-
416
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
قلب الشرق الأوسط المتقلب، تقف تركيا بموقعها الجيوسياسي الفريد على مفترق طرق بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، كفاعل إقليمي رئيسي يحاول الحفاظ على توازن دقيق في علاقاته الخارجية، خاصة في ظل الصراع المتنامي بين إيران والكيان الصهيوني ، هذا الصراع الذي يتمحور حول النفوذ الإقليمي والأمن القومي والتحالفات العابرة للحدود، يفرض على أنقرة اتباع سياسة خارجية تتسم بالحذر، المرونة، والبراغماتية.
الدعوة للحوار ورفض التصعيد
تعلن تركيا رسمياً وبشكل ثابت التزامها بـ "الهدوء والحكمة والحلول الدبلوماسية" في مواجهة أي تصعيد بين طهران وتل أبيب ، أذ ترفض أنقرة بشدة أي إجراء عسكري من شأنه زعزعة استقرار المنطقة، الذي تعتبره مصلحة حيوية لها، وتؤكد على:
1. أولوية الدبلوماسية : الدعوة المستمرة للحوار المباشر أو غير المباشر بين الأطراف، واستخدام القنوات الدولية لحل الخلافات.
2. تجنب حريق إقليمي : تحذيرها من مخاطر أي مواجهة شاملة قد تجر دولاً أخرى وتدمر الاقتصادات الإقليمية، وتؤثر سلباً على أمنها القومي.
3. التركيز على القضية الفلسطينية : ربط أنقرة بشكل متكرر بين استقرار المنطقة وإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفقاً لحدود 1967 وقرارات الشرعية الدولية ، وتندد بالسياسات الصهيونية في الأراضي المحتلة، خاصة بعد أحداث أكتوبر 2023 وما تلاها من عمليات عسكرية في غزة.
دوافع ومحددات الموقف التركي :
1. المصالح الاقتصادية والطاقية :
مع إيران : تركيا معتمدة على استيراد الغاز الطبيعي الإيراني (رغم العقوبات الأمريكية)، كما أن إيران سوق مهم للصادرات التركية ، أي تصعيد يهدد هذه العلاقات الاقتصادية الحيوية .
مع الكيان الصهيوني : على الرغم من التوترات السياسية، استمرت العلاقات الاقتصادية والتجارية (خاصة في مجالات السياحة والتكنولوجيا) بدرجات متفاوتة ، إعادة التطبيع الجزئي في 2022 كان مدفوعاً بمصالح اقتصادية وأمنية.
2. الأمن القومي والحدود :
الخوف من امتداد النزاع : تركيا تتشارك حدوداً طويلة مع إيران وتخشى من تدفق اللاجئين أو تصاعد نشاط الجماعات المسلحة في المناطق الحدودية في حالة حرب شاملة.
المخاوف من الأكراد : كلا البلدين (تركيا وإيران) يتهمان بعضهما بدعم جماعات كردية مسلحة تعتبرها "إرهابية" (مثل PKK وبيجاك) ، أي انهيار للأمن الإيراني قد يؤثر على هذا الملف الحساس لأنقرة.
الطموح الإقليمي والهوية :
تسعى تركيا لتعزيز دورها كوسيط وقوة إقليمية فاعلة ، إدارة الأزمات بين الكيان الصهيوني وإيران تمنحها مكانة دولية.
الهوية الإسلامية القوية للحكومة الحالية تجعلها حريصة على التعبير عن دعمها "لقضايا الأمة"، وخصوصاً القضية الفلسطينية، مما يضعها في مواجهة خطابية وسياسية مع الكيان الصهيوني.
العلاقات الدولية والتحالفات :
حلف الناتو : عضوية تركيا في الناتو تفرض عليها قيوداً معينة وتجعلها حريصة على عدم الدخول في صدام مباشر مع حليفة الكيان الصهيوني الأساسية (الولايات المتحدة).
العلاقة مع روسيا : العلاقة الوثيقة مع روسيا (شريك إيراني رئيسي) تجعل تركيا حريصة على التواصل مع طهران وفهم مواقفها.
التحديات والانتقادات
يواجه الموقف التركي انتقادات وتحديات :
اتهامات بالازدواجية : يرى البعض أن انتقاد تركيا الشديد للكيان الصهيوني فيما يتعلق بفلسطين لا يقابله موقف مماثل من سياسات إيران الإقليمية (في سوريا واليمن ودعم جماعات مسلحة).
التأرجح في العلاقة مع الكيان الصهيوني : تاريخ العلاقات التركية والكيان الصهيوني مليئة بالتوترات (أحداث سفينة مرمرة 2010) وفترات من التطبيع ، هذا التأرجح يثير شكوكاً حول اتساق الموقف.
تأثير السياسة الداخلية : قد تؤثر الاعتبارات الداخلية والخطاب السياسي المحلي على حدة الانتقادات الموجهة للكيان الصهيوني .
الخاتمة والتوقعات :
يبقى موقف تركيا من الصراع الإيراني-الصهيوني مثالاً صارخاً على تعقيد الدبلوماسية في الشرق الأوسط ، أنقرة تسير على حبل مشدود، تحاول الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والأمنية المتنوعة ، مع تقديم نفسها كمدافع عن القضية الفلسطينية وقوة إقليمية فاعلة تدعو للاستقرار و نجاحها في هذا الدور يتوقف على:
- قدرتها على الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع جميع الأطراف.
- تجنب الانحياز الكامل لأي جانب بما يهدد مصالحها الحيوية أو يزيد التوتر.
- استمرارها في الضغط من أجل حلول سياسية والحيلولة دون وقوع مواجهة عسكرية كبرى.
أما في ظل استمرار حالة التوتر والغموض، ستواصل تركيا لعبة التوازن الصعبة ، بينما تمنحها علاقاتها المتشعبة مع كلا الخصمين فرصة فريدة للوساطة، فإن نفس هذه العلاقات تفرض عليها قيوداً وتجعل أي خطوة دبلوماسية محفوفة بالمخاطر، وان استقرار المنطقة الذي تسعى إليه أنقرة لا يزال رهناً بقدرة جميع الأطراف، بما فيها تركيا، على تقديم المصالح الاستراتيجية طويلة المدى على المكاسب التكتيكية قصيرة النظر.









