د. صلاح عبدالعاطي: العقوبات الأمريكية على المحكمة الجنائية "جريمة بحد ذاتها" تعكس شريعة الغاب

profile
  • clock 7 يونيو 2025, 2:00:13 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
الدكتور صلاح عبد العاطي رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)

كتب: عبدالرحمن كمال

قال الدكتور صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، إن فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على أربع قاضيات في المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية إصدار تأكيد على مذكرة المدعي العام كريم خان، التي تضمنت مذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، "يمثل محاولة من الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على المحكمة من أجل إثنائها عن القيام بدورها في محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين".

وأضاف عبد العاطي، في تصريحات خاصة لـ"«180 تحقيقات»،  أن "هذه العقوبات تعد جريمة بحد ذاتها، ففرض عقوبات على المحكمة يعد إنكارًا للعدالة وتغييبًا لمبادئ الإنسانية ومبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني". وأعرب عن استغرابه الشديد من أن "تصدر دولة من المفترض أن تخضع لقواعد القانون الدولي عقوبات بهذا الشكل، في محاولة لقلب الأمور وهدم مسار العدالة الدولية، ومعنى محاسبة قادة الاحتلال وحتى مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، في أفغانستان وفي العراق".

وأشار إلى أن "الولايات المتحدة الأمريكية تثبت بذلك شريعة الغاب على حساب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني"، مؤكدًا أن "هذه العقوبات تستلزم رفضها واستنكارها وإدانتها، وهي لن تؤثر كثيرًا في عمل المحكمة". ودعا عبد العاطي دول العالم، والدول الأعضاء في ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، إلى "دعم المحكمة وضمان قيامها بواجباتها في فتح تحقيقات جادة، وتوسيع مذكرات الاعتقال بحق مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب في قطاع غزة وفلسطين وغيرها".

عقوبات أمريكية غير مسبوقة على خلفية مذكرة توقيف نتنياهو

وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت فرض عقوبات على أربع قاضيات في المحكمة الجنائية الدولية، اثنتان منهن شاركن في الإجراءات التي أفضت إلى إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، بسبب ما اعتبرته المحكمة "أسبابًا معقولة" لتحميلهما مسؤولية ارتكاب جرائم حرب، على رأسها استخدام التجويع كسلاح في الحرب على غزة منذ 7 أكتوبر 2023.

وشملت العقوبات حظر دخول القاضيات الأربع إلى الولايات المتحدة وتجميد أي أصول يمتلكنها داخلها، وهو إجراء غير معتاد، خصوصًا أنه يستهدف شخصيات قضائية في مؤسسة دولية. وتأتي هذه الخطوة في سياق محاولات واشنطن الدؤوبة لتقويض عمل المحكمة، لا سيما عندما تمسّ حلفاءها، وعلى رأسهم إسرائيل. وقد أدانت المحكمة العقوبات بوصفها "محاولة جلية لتقويض استقلالية مؤسسة قضائية دولية"، في حين رأت "هيومن رايتس ووتش" أنها محاولة صريحة لردع المحكمة عن السعي للمساءلة في ظل تصاعد الفظائع في غزة.

تواطؤ أمريكي في إبادة غزة وتكريس الحصانة للمجرمين

تكشف العقوبات الأمريكية الأخيرة عن مستوى عالٍ من التواطؤ الرسمي في جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، حيث لم تكتف واشنطن بدعم آلة القتل الإسرائيلية دبلوماسيًا وعسكريًا، بل تسعى اليوم إلى تعطيل أدوات العدالة الدولية ومنح الحصانة القانونية للمجرمين. إنها رسالة واضحة بأن كل من يجرؤ على محاسبة إسرائيل سيُعاقب، مما يعزز شعور الضحايا الفلسطينيين بأن المجتمع الدولي يتواطأ في قتلهم، ويقوّض فرص وقف الجرائم الجارية على الأرض.

التحرك الأمريكي ليس فقط حمايةً لنتنياهو وغالانت، بل هو دفاع عن العقيدة الأمريكية ذاتها في استخدام القوة فوق القانون، حتى عندما تطال الجرائم حلفاءها. ففي الوقت الذي تُفرض فيه العقوبات على قضاة دوليين بسبب سعيهم للمساءلة، تواصل الإدارة الأمريكية تزويد إسرائيل بالسلاح وتبرير حرب إبادة شاملة ضد سكان غزة، أسفرت حتى الآن عن مقتل وتشريد مئات الآلاف.

العدالة الدولية في مهب الهيمنة الأمريكية

إن العقوبات الأمريكية على المحكمة الجنائية لا تمثل مجرد انحراف سياسي، بل تهديدًا مباشرًا لبنية العدالة الدولية ذاتها. فإذا كانت المحكمة تُعاقَب لمجرد محاولتها مساءلة قادة الاحتلال الإسرائيلي، فما الذي تبقّى من مبدأ المحاسبة؟ هذه السابقة تفتح الباب أمام كل نظام قمعي في العالم لرفض المثول أمام القضاء الدولي بذريعة "السيادة"، وهي الذريعة ذاتها التي طالما تجاهلتها واشنطن عندما تدخلت في شؤون دول رفضت هيمنتها.

إن القانون الدولي، الذي يُفترض أن يكون مظلة للعدالة ومنع الإفلات من العقاب، أصبح رهينة للابتزاز السياسي من القوى الكبرى. وإذا ما استمر هذا المسار، فإن مصداقية المؤسسات الدولية ستتآكل، وستتحول إلى أدوات بيد الأقوياء، في حين تُمنَع عن الضحايا سبل الإنصاف، وخاصة في مناطق مثل فلسطين، حيث ترتكب جرائم موثقة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.

التعليقات (0)