د. سنية الحسيني تكتب: ثلاثة عوامل تحسم نتائج هذه الحرب

profile
د. سنية الحسيني كاتبة وأكاديمية فلسطينية
  • clock 19 يونيو 2025, 11:07:22 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
آثار القصف الإيراني على "ريشون لتسيون" جنوب "تل أبيب"

بدأت إسرائيل يوم الجمعة الماضي هجوماً عنيفاً على إيران، بحجة القضاء على قدراتها النووية، في تطور خطير للصراع بين البلدين. إذا نظرنا استراتيجياً لهجوم اسرائيل الحالي على إيران نجده يأتي كمرحلة متقدمة من تطورات استراتيجية، حدد بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي هدفها، بتغيير الشرق الاوسط. بعد تدمير غزة، وتوجيه ضربة قوية لحزب الله فى لبنان، وانهيار نظام بشارالأسد فى سوريا، تبقى إيران بالنسبة لنتنياهو هي رأَس الأخطبوط، على أساس أن أذرعه قد تم القضاء عليها.

وتدعم الولايات المتحدة اليوم هجوم إسرائيل على إيران، وتمدها بالسلاح والدعم العسكري الأمريكي الغربي النوعي، وتوفر لها آلة استخبارية أميركية غربية معقدة لا تمتلك مثلها أية دولة أخرى في المنطقة. يأتي ذلك فى إطار اعتبار استراتيجي آخر متصل، رغم عدم حداثته، يتمثل في أن إسرائيل لا تقوم بالاعتداءات المتكررة على دول المنطقة، واحتلالها لأجزاء من أراضيها، بمفردها، فلولا السلاح العسكري والاستخباري الأمريكي الغربى، والدعم السياسى المفتوح لإسرائيل، لما استطاعت إسرائيل أن تتحركبحرية في المنطقة دون قيود أو تدخلات أو عقوبات دولية، ولما نجحت في تحقيق كل تلك الاختراقات العسكرية الاستراتيجية. يعد العاملان السابقان مركزيان في تحديد طول أمد هذه الحرب ونتائجها، بالإضافة إلى عامل مركزي آخر ثالث. 

لم يخف نتنياهو عداءه لإيران ورغبته في مهاجمتها بشن حرب عليها، بحجة أن امتلاكها للسلاح النووي يشكل تهديداً لأمن إسرائيل. يعترف جون ميلر، المستشار السياسي لعدد من الرؤساء الأميركيين السابقين، أن نتنياهو بات يلجأ لإستخدام القوة دون تردد، رغم أنه كان أكثر حرصاً في استخدامها في الماضي. فمنذ صعوده للحكم نهاية عام ٢٠٢٢، لم يخف نتنياهو أجندة حكومته اليمينية المتطرفة، التي بدأت عهدها بالتضييق على الضفة الغربية، وتبني سياسات تهدف لضمها. وكانت حرب الإبادة التي شنتها ضد غزة بعد السابع من أكتوبر شاهداً على مدى عدوانية هذه الحكومة، التي تخف أجندته لمستقبل المنطقة، والتي وصفها بالشرق الأوسط الجديد، حيث بدأت تنكشف تباعاً في لبنان وسوريا وإيران من بعدهم، وتسعى لترسيخ مكانة إسرائيل كدولة مهيمنة أولى في المنطقة. 

اليوم، لم يعد نتنياهو يخفي هدفه من هجومه على إيران، والذي تخطى القضاء على قدرتها النووية إلى القضاء على النظام الإيراني نفسه، وتدمير قوة وقدرة الدولة الإيرانية، تماماً كما حدث قبل ذلك مع العراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، لتغيير النظام. وفي هذا السياق، دعا نتنياهو المواطنين الإيرانيين للانقلاب على قيادتهم وتغيير النظام السياسي القائم. إن ما قامت به إسرائيل منذ الضربة الأولى قبل أيام باغتيال أهم القيادات في الهرم العسكري الإيراني، واستهداف المرافق الحيوية في البلاد، إلى جانب قتل العلماء وضرب المنشآت النووية، وكذلك التهديد باغتيال المرشد الأعلى للبلاد، يرتبط إلى حد كبير بهدف تغير النظام. 

ضمنت حرب غزة بقاء حكومة نتنياهو طوال الفترة السابقة، رغم تكرار سقوط الحكومات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، بعد فترات قصيرة، ورغم مساعي المعارضة لإسقاطها، ومحاكمة نتنياهو على التهم الموجه اليه، والتناقضات والخلافات مع حلفائه في الائتلاف سواء كانوا من اليمينيين أو المتدينين. وتضمن الحرب مع إيران، استمرار بقاء هذه الحكومة، رغم تعمق تناقضاتها، لأن الحرب تحظى بتأييد واسع في الشارع الإسرائيلي بما فيها من قوى المعارضة. وعلى ذلك يبدو جلياً أن هذه الحكومة كي تضمن بقاءها في ظل التناقضات ستتمسك بالمسار العسكري الحربي، للتعامل مع ملفاتها وطموحاتها وأهدافها في المنطقة.  

لم تدن الولايات المتحدة والدول الغربية العظمى وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا هجوم إسرائيل الحالي على إيران، الذي بدأ يوم الجمعة الماضي، معتبرة أن لدى إسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها، رغم أنها هي الطرف الذي بادر بالعدوان، على دولة تبعد عن حدودها أكثر من ٢٣٠٠ كيلو متر. وتعترف تلك الدول أنها تقدم لإسرائيل الدعم العسكري والاستخباري في هذا الهجوم مدعية أنه في المجال الدفاعي فقط، أي لإحباط أي رد إيراني محتمل على هجمات إسرائيل. كما أن السلاح الهجومي نفسه الذي تستخدمه إسرائيل هو من صنع أميركي، بالإضافة إلى التنسيق الاستخباري المشترك. وفي حين أن الولايات المتحدة تدعي أنها لا تشارك في هجمات إسرائيل الجوية على إيران، فإنها لا تخفي دورها في التصدي للصورايخ الإيرانية المتجهة لإسرائيل، الأمر الذي يعد تدخلاً أميركياً صارخاً في مجرى هذه الحرب، دعماً لإسرائيل. كما أن ارسال الولايات المتحدة لأسراب طائرات لتمد الطائرات الإسرائيلية بالوقود في الجو بعد مشاركة مباشرة في الهجمات الاسرائيلية على إيران. 

ورغم دعم الدول الغربية المفتوح لإسرائيل، آثرت حلاً تفاوضياً سلمياً للملف النووي الإيراني، وعدم الرغبة في التورط في حرب جديدة في المنطقة. وعلى هذا الأساس تبنت الدول الغربية الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما في العام ٢٠١٥. ولم تخف الادارات الأميركية المختلفة عبر السنوات الأخيرة عدم رغبتها بخوض حرب مع إيران، واكتفت بفرض عقوبات عليها، بسبب برنامجها النووي، الذي تشكك في سلميته، وقاومت جميع محاولات إسرائيل السابقة لجرها لخوض تلك الحرب. 

فشلت مساعي نتنياهو عبر السنوات الماضية بإقناع الولايات المتحدة بمشاركته في شن حرب على إيران، وتسبب ذلك بتوتر علاقاته مع الرئيس باراك أوباما، في أعقاب توقيعه على الإتفاق النووي مع إيران في العام ٢٠١٥. ولم ينجح نتنياهو واللوبي الداعم له في الولايات المتحدة في إقناع الرئيس دونالد ترامب بالتورط في مواجهة عسكرية مع إيران، رغم انسحابه من الاتفاق النووي بعد وصوله للحكم. أما بايدن فقد قاوم محاولات نتنياهو لإقحامه في حرب مع إيران، لاعتقاده أنها في غير صالح بلاده. ولم يخف ترامب قبل وصوله للحكم عدم نيته محاربة إيران والميل نحو السلام ونبذ الحروب، وركز في تعينات ادارته الجديدة على تعيين مسؤولين لا يميلون لخوض حرب مع إيران، وبدأ في شهر إبريل الماضي مساراً دبلوماسياً معها للتفاوض، والذي قوبل بامتعاض واضح من قبل نتنياهو وحكومته اليمينية. 

ويأتي موقف ترامب الأخير الداعي لاستسلام إيران دون شروط، والتخلي عن المشروع النووي الإيراني برمته، والتهديد بالدخول للحرب غريباً. فبعد مرور خمس جولات تفاوضية، اتسم خلالها الموقف الإيراني بالمرونة، والتوجه للاحتفاظ ببرنامج نووي سلمي، وفق معايير التخصيب والرقابة المعمول بها، جاءت الهجمة الاسرائيلية على إيران قبل الوصول للجولة السادسة بيومين فقط من تاريخ عقدها. وساد الاعتقاد أن نتنياهو أقدم على الهجوم على إيران لإجهاض أية إمكانية للوصول لإتفاق، وتغاضى ترامب عنه، دون انخراط مباشر في الحرب، من أجل تحسين شروط الإتفاق. إلا أن دعوة نتنياهو للولايات المتحدة صراحة بالدخول للحرب وتهديد ترامب بالمشاركة فيها، يشير لعدم قدرة إسرائيل على حسمها بمفرده. فهل تجر إسرائيل الولايات المتحدة لحرب لا تريدها؟ وتعكس خلافات مستشاري ترامب الحاليه حول هذه القضية، طبيعة المعضلة التي تعيشها الولايات المتحدة اليوم.

أدانت الدول العربية مجتمعة هجوم إسرائيل على إيران، بما فيها تلك الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل، واعتبرت ذلك الهجوم انتهاك لسيادة إيران، ودعت لحل الأزمة سلمياً. ويقلب ذلك الموقف العربي معادلة التوازن الإقليمي التي عملت الولايات المتحدة على إرسائها خلال العقدين الأخيرين في المنطقة، وذلك ببناء تحالف عربي أميركي إسرائيلي في مواجهة إيران وحلفائها. ولا تخفي الدول العربية المركزية وعلى رأسها السعودية ومصر وقطر والإمارات رغبتها في تحقيق تطور إقتصادي تنموي واسع، والذي يتطلب إرساء حالة من الإستقرار في المنطقة. لذلك سادت خلال المرحلة الماضية حالة من التصالح ونبذ الخلافات بين دول المنطقة بما فيها إيران، كما تعمقت تحالفات تلك الدول مع اقطاب عالمية كبرى كالصين وروسيا إلى جانب الولايات المتحدة، التي لم تعد الشريك الاقتصادي والعسكري الوحيد لدول المنطقة. كشفت الحرب على غزة، ومن بعدها الهجوم الإسرائيلي على إيران لدول المنطقة أن إسرائيل هي الدولة المسؤولة عن حالة عدم الإستقرار فيها، وأنها مستعدة لإستخدام القوة المدمرة ضد دول المنطقة دون تردد، وأن المنظومة الغربية ممثلة بالولايات المتحدة تدعمها دون حدود، على حساب أي دولة فيها. 

يقول ميلر إن لجوء نتنياهو لإستخدام القوة بهذا الشكل المفرط لا يعد بالضرورة وسيلة محسوبة النتائج على المدى القصير والمتوسط. فالهجوم الإسرائيلي على إيران، والمخاطرة باستقرار ومستقبل المنطقة، لا يمكن أن يمر دون مقاومة من قبل دولها، والأقطاب الدولية الأخرى غير الولايات المتحدة التي تمتلك مصالح فيها، كالصين وروسيا. فمواجهة سياسة نتنياهو في غزة كانت أكثر تعقيداً، بسبب طبيعة الصراع وحجمه بين الإسرائيليين والفلسطينيين وحدود مصالح دول المنطقة للتدخل، لكن الأمر يعتبر أشد تعقيدا في المعركة القائمة بين إسرائيل وإيران في ظل مكانة إيران في المنطقة والمصالح التي تربطها مع القوى الدولية والاقليمية فيها وكذلك تأثير نتائجها على طبيعة التوازنات أيضاً. ولعل موقف الدول العربية مجتمعة من الهجوم الاسرائيلي على إيران وموقف القطبين الروسي والصيني، الحليفين والشريكين لإيران، وتوجه القوى الدولية الأخرى بالدعوة لحل هذه الأزمة سلمياً، وتردد الولايات المتحدة في التدخل المباشر في ذلك الهجوم، خوفاً على مصالحها في المنطقة، مؤشراً على مدى صعوبة الأزمة وخطورة المرحلة. 

من المتوقع أن تصمد إيران في المعركة، فهي تمتلك مقومات الصمود الجغرافي والديمغرافي والثقافي، بينما لا تمتلك إسرائيل ذات المقومات وتكتفي بامتلاكها عامل القوة بالدعم الأميركي الغربي. فهل تضحي الولايات المتحدة والغرب باستقرار منطقة مهمة كمنطقة الشرق الأوسط والمخاطرة بمصالحها فيها؟ وهل تقبل دول قطبية كالصين وروسيا بقلب المعادلات الإستراتيجية في المنطقة بالسماح بهزيمة إيران؟ وهل تقف الدول العربية المركزية على الحياد، رغم أنها قد تكون من أكبر المتضررين؟ وهل تغفل إيران عن التجهيز للضربة الثانية، إذا تم اتخاذ القرار بضربها ضربة تقعدها؟ 

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)