-
℃ 11 تركيا
-
13 يونيو 2025
جنان.. رضيعة أنهكها الجوع وقتلها الحصار: قصة ألم في غزة المحاصرة
بداية الحياة في ظلّ الموت
جنان.. رضيعة أنهكها الجوع وقتلها الحصار: قصة ألم في غزة المحاصرة
-
3 مايو 2025, 12:49:18 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
وُلدت الرضيعة الفلسطينية جنان السكافي بوزنٍ خفيف لا يتجاوز 2.600 كغم، وبدلاً من أن تنمو وتزدهر في حضن أمها، أمضت أشهرها الأربعة الأولى في معركةٍ قاسية ضد الجوع والمرض، وانتهت حياتها صباح السبت في مستشفى الرنتيسي بمدينة غزة، نتيجة سوء التغذية الحاد. لم تكن جنان مصابة بمرض عضال، ولم تكن بحاجة إلى علاج معقّد، كل ما كانت تحتاجه هو حليب ومكمّلات غذائية أساسية، حُرمت منها بفعل الحصار الإسرائيلي المستمرّ.
في غزة اليوم، لا يموت الأطفال فقط بالقنابل، بل يموتون ببطء نتيجة الحرمان المقصود من الغذاء والدواء، وهو ما تُحمّل مسؤوليته إسرائيل والولايات المتحدة، ليس فقط باعتبارهما المسؤولَين المباشرين عن استمرار الحرب، بل لتواطئهما في خنق أكثر من مليوني فلسطيني ومنع المساعدات عنهم عمداً، ما يُعدّ جريمة حرب مكتملة الأركان.
مناشدات أم ضائعة في صمت المجتمع الدولي
لثلاثة أشهر متواصلة، ظلت والدة جنان تطلق نداءات استغاثة إلى المؤسسات الدولية والعالمية، تطلب فقط تحويل طفلتها إلى مستشفى خارج القطاع المحاصر، قبل أن تخبو هذه النداءات، كما خبت أنفاس جنان، في ظلال عالمٍ اعتاد تجاهل معاناة غزة.
جنان لم تكن تتقبل أي نوع من الحليب المتاح في الأسواق الفقيرة أصلاً. كانت تعاني منذ ولادتها من نوبات جفاف حادة وإسهال مستمر، بينما نظامها الغذائي مفقود بالكامل، بفعل منع الاحتلال إدخال الحليب الطبي والمكمّلات الغذائية. بلغ وزنها 2.800 كغم فقط بعد أربعة أشهر، بزيادة لا تتجاوز 200 غرام، في مشهدٍ صادم لانهيار مقومات الحياة.
ما حدث مع جنان ليس استثناءً، بل هو القاعدة الجديدة في غزة. يوميًا، يستقبل مستشفى الرنتيسي مئات الأطفال الذين يعانون من مضاعفات الجفاف وسوء التغذية، في بيئة طبية متهالكة، ومحرومة من الإمدادات.
السلاح الصامت: الجوع
سوء التغذية، كما يوضّح الطاقم الطبي في مستشفى الرنتيسي، لم يعد حالة عرضية. إنه نتيجة مباشرة لسياسات التجويع التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، بدعمٍ وتغطية سياسية أمريكية، تحت ذريعة محاربة "الإرهاب"، في حين أن الضحايا هم أطفال رُضّع. هذا النوع من الحصار – الذي يمنع الطعام والدواء – لم يعد مجرد انتهاك، بل أصبح سلاحًا يُستخدم بوعي وإصرار لإبادة شعب.
ورغم التحذيرات الأممية، لا يزال الحصار مستمرًا، بل و أُعيد تشديده منذ أكثر من شهرين، بعد استئناف العدوان الإسرائيلي. توقّفت المساعدات بشكل شبه كامل، وعُزلت غزة تمامًا عن العالم، ما جعل الأطفال كالرضيعة جنان، يموتون جوعًا وألمًا تحت سمع العالم وبصره.
تشوّه الأجنة.. رعب آخر تحت الأنقاض
لم تتوقف الكارثة عند جنان، إذ أعلنت وزارة الصحة في غزة عن ولادة الطفلة ملك أحمد القانوع – التي لم تتجاوز يومين من العمر – من دون دماغ، في مستشفى العودة شمالي غزة. هذه الحالة الصادمة ليست معزولة، بل جزء من ظاهرة متنامية، إذ تزداد حالات التشوّه الخلقي لدى الأجنة في غزة بسبب ما وصفته الوزارة بـ"الأسلحة المحرّمة" التي يستخدمها الاحتلال.
تقول الوزارة إن ما يحدث في غزة اليوم، يعيد إلى الأذهان ما وقع في العراق بعد الغزو الأمريكي، حين ارتفعت معدلات التشوّه الخلقي بفعل التلوّث والإشعاعات الناتجة عن القصف. وتطالب بتحقيقٍ دولي شفاف في أسباب هذه الظواهر، وفي طبيعة الأسلحة التي يُستخدمها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
إسرائيل تُجرّب أسلحة الموت.. وأمريكا تُغطي الجريمة
وراء كل قصة رُضيع يموت، وطفل يُولد مشوّهًا، تقف آلة حرب إسرائيلية مدعومة تمويليًا وسياسيًا من واشنطن. العالم كله يدرك أن استمرار الحصار المدمّر – والذي تمنع فيه حتى شحنات الطحين والماء – ليس نتيجة خلل إداري، بل خطة إبادة ممنهجة. في ظل الصمت الغربي، وتواطؤ بعض الأنظمة، أصبح الأطفال في غزة وقودًا لحرب لم تعد تفرّق بين جبهة قتال وسرير ولادة.
وتؤكد منظمة العفو الدولية "أمنستي" أن ما تقوم به إسرائيل في غزة يمثّل جريمة حرب تستخدم فيها سياسة "تجويع المدنيين كسلاح"، مشددة على أن هذه الأفعال ترقى إلى إبادة جماعية بموجب القانون الدولي، تهدف إلى تدمير سكان القطاع جسديًا ومعنويًا.
صرخة أممية: "كم من الدم يجب أن يسيل؟"
من جنيف، قالت المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في غزة، أولغا شيريفكو، في تصريحها المؤلم: "كم من الدم يجب أن يسيل قبل أن يصبح كافيًا؟". في هذه العبارة المقتضبة، اختُصر موقف إنساني عاجز أمام هول الكارثة. فكل المؤشرات تؤكد أن غزة باتت في حالة انهيار كامل على المستوى الإنساني، وأن أطفالها يموتون، لا بسبب مرض عضال أو مجاعة طبيعية، بل بفعل قرار سياسي متعمّد، تتحمل إسرائيل والولايات المتحدة مسؤوليته التاريخية.
ويُقدّر أن أكثر من 95% من سكان غزة يعيشون الآن تحت خط الفقر الغذائي، بلا ماء نظيف، ولا طعام كافٍ، ولا خدمات صحية. ومع انهيار المساعدات وتوقّف الدعم الدولي، حذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن الاستجابة الإنسانية في غزة "تقترب من الانهيار التام".
إلى متى؟
جنان ماتت، وملك وُلدت بلا دماغ، لكن الأسوأ لم يأتِ بعد. في كل بيت غزّي، هناك جنان أخرى تقاوم، وأمّ تُناشد، وأبٌ يبحث عن علبة حليب بين الركام. وما لم يتوقف الحصار فورًا، وما لم يُحاسب الاحتلال على جرائمه، فإن القصص القادمة ستكون أكثر وجعًا.
الحصار ليس سياسة، بل قتل بطيء. والأطفال الذين يموتون اليوم، سيبقون شاهدًا على صمت العالم، وتواطؤ الأقوياء.
.jpeg)







