جراح بريطاني يكشف من قلب مستشفى ناصر: الاحتلال يتعمّد تجويع أطفال غزة والعالم يتواطأ بالصمت

profile
  • clock 23 يوليو 2025, 1:14:52 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

في شهادة مؤلمة ومباشرة نُشرت في صحيفة الجارديان البريطانية، كتب الجراح البريطاني نيك ماينارد، الأستاذ في مستشفى جامعة أوكسفورد والمتطوع مع منظمة "الهيئة الطبية لإغاثة الفلسطينيين"، مقالاً بعنوان:
"أنا أشهد تجويع أطفال غزة عمداً.. لماذا يسمح العالم بحدوث ذلك؟"

كشف ماينارد من داخل مستشفى ناصر بمدينة خان يونس عن مشاهد يومية لمرضى يموتون ليس بسبب الإصابات، بل بسبب الهزال الشديد والجوع الحاد. وكتب في مستهل مقاله: "أنهيت لتوي عملية جراحية لشاب مراهق يعاني من سوء تغذية حاد، وفي العناية المركزة هناك طفلة رضيعة، عمرها سبعة أشهر، لكنها تبدو كأنها ولدت للتو، من شدة ما أنهكها الجوع... إنها تذوب أمام أعيننا، ونحن عاجزون عن إنقاذها".

"السلاح الجديد: الجوع"

بحسب الطبيب البريطاني، فإن ما يحدث في غزة لا يمكن وصفه إلا بأنه تسليح للجوع ضد شعب بأكمله. منذ زيارته الأولى في ديسمبر 2023، أطلق تحذيرات بشأن المجاعة، لكن الوضع ازداد سوءًا بشكل كارثي. "كل يوم أشاهد مرضى يموتون لأن أجسادهم الضعيفة لا تحتمل الجراحة... الجروح تتعفن، والعدوى تنتشر، ثم يأتي الموت".

ماينارد أكّد أن أربعة أطفال توفّوا في مستشفى ناصر خلال الأسابيع الأخيرة جوعًا، لا بسبب قنابل أو رصاص. كما أن الطواقم الطبية نفسها أصبحت تعاني من الجوع، وبعض زملائه فقدوا 30 كيلوغرامًا من أوزانهم، ويلجأ بعضهم إلى مواقع توزيع المساعدات رغم خطورتها الشديدة لمحاولة إطعام عائلاتهم.

مجازر توزيع المساعدات: فخاخ الموت

يصف الطبيب البريطاني مواقع توزيع المساعدات التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي بأنها "مصائد موت". "في السابق كان في غزة أكثر من 400 نقطة توزيع آمنة، اليوم لم يتبقَّ سوى أربع نقاط محاصرة عسكريًا في جنوب القطاع". يقول ماينارد إن عشرات الجرحى يصلون يوميًا إلى الطوارئ برصاص الجنود الإسرائيليين، بينهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عامًا، قُتلوا أو أُصيبوا أثناء محاولتهم جلب الطعام لعائلاتهم.

وفي حالة صادمة، توفي طفل يبلغ 12 عامًا على طاولة العمليات بعدما اخترقت رصاصة بطنه، أُطلقت عليه وهو يحاول الحصول على الطعام.

ويروي الطبيب كذلك عن نساءٍ أُصبن برصاص طائرات رباعية مسيّرة (كوادكوبتر) أثناء تواجدهن في خيامهن. إحداهن كانت تُرضع طفلها، والأخرى حامل. لقد نجتا، لكن الطلقات لم تستثنِ حتى من لم يكن يبحث عن طعام، بل كان يحتمي بمكان قيل إنه "آمن".

انهيار القطاع الصحي واستهداف الطواقم

مستشفى ناصر، الذي يُعدّ آخر مستشفى كبير يعمل في جنوب غزة، يعاني من ضغط هائل، ويفتقر إلى الأدوية والإمدادات الأساسية، بينما ينهار النظام الصحي بأكمله نتيجة القصف والتجويع. وأكّد ماينارد أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف العاملين في القطاع الصحي بشكل مباشر، مشيرًا إلى مقتل أحد الممرضين داخل خيمته مع أطفاله الثلاثة هذا الأسبوع.

صرخة من قلب الجريمة: هذا متعمّد ويمكن وقفه

في ختام مقاله، شدد الطبيب البريطاني على أن ما يحدث في غزة ليس نتيجة إهمال أو ظروف قاهرة، بل هو إجراء ممنهج ومقصود. وكتب:

"إن ما يُفعل بالفلسطينيين في غزة بربري ويمكن منعه تمامًا. لا أصدق أننا وصلنا إلى نقطة يراقب فيها العالم بأسره الناس وهم يُجبرون على اختيار الموت جوعًا أو بالرصاص، في حين تبقى شاحنات الطعام والدواء على بعد أميال قليلة".

ماينارد طالب بـ:

وقف إطلاق نار دائم وفوري.

تدفق آمن وغير مشروط للمساعدات بقيادة الأمم المتحدة.

رفع الحصار فورًا.

إنهاء تواطؤ الحكومات الغربية، وعلى رأسها بريطانيا، في دعم الاحتلال الإسرائيلي.

واختتم مقاله بنداء صارخ من قلب مستشفى ناصر:

"أقول لكم من هنا: هذا تجويع متعمّد. هذا يمكن منعه. ويجب أن يتوقف الآن".

المجاعة في غزة: الواقع الأسوأ في التاريخ الحديث

تأتي شهادة الطبيب البريطاني ضمن عشرات التقارير والشهادات التي تؤكد أن قطاع غزة يشهد واحدة من أسوأ المجاعات في التاريخ الحديث. ووفق وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفع عدد وفيات الجوع وسوء التغذية إلى 111 حالة وفاة، بينهم عشرات الأطفال، فيما تُكدّس آلاف الشاحنات الغذائية عند المعابر، ويُمنع دخولها.

وقد حذّرت أكثر من 100 منظمة دولية حقوقية وإنسانية من أن سياسة الاحتلال تمضي عمدًا نحو إبادة جماعية عبر التجويع، في ظل تواطؤ أمريكي وأوروبي فاضح.

يبقى السؤال: كم من الأطفال يجب أن يموتوا جوعًا أمام الكاميرات، كي يتحرك العالم؟

التعليقات (0)