"حماس" تمثل الرؤية التحررية الثابتة في صراع تزداد تعقيداته

د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: حماس صمام أمان القضية والمنطقة

profile
د. محمد إبراهيم المدهون كاتب ووزير فلسطيني سابق
  • clock 23 يوليو 2025, 1:12:17 م
  • eye 428
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

في اللحظة الفاصلة بين زلزال الطوفان الذي باغت الاحتلال والعالم، ومحرقة غزة التي تحاول من خلالها آلة الحرب الصهيونية اجتثاث الوجود الفلسطيني، تقف حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أمام اختبار وجودي مزدوج. لم تعد الحركة مجرد فصيل مقاوم أو سلطة محلية تدير قطاع غزة تحت الحصار؛ لقد باتت رأس الحربة في مشروع التحرر الوطني الفلسطيني، وممثلة لكرامة الأمة وممانعتها. تحاول القوى المعادية رسم نهاية للحركة على أنقاض غزة، فيما تكتب حماس فصلاً جديدًا من التاريخ بلغة الدم والصمود، في معادلة غير مسبوقة بين فاجعة الإبادة وملاحم التحدي.

إن الحديث عن غروب حماس يعاكس منطق الميدان، ويعجز عن فهم منسوب الالتحام الشعبي والقدرة الاستثنائية على الصمود، فضلًا عن فعالية المقاومة الممتدة التي أدارت أطول مواجهة في تاريخ الصراع، واستطاعت رغم التدمير الشامل أن تفرض بقاءها السياسي والميداني. حماس لم تُهزم، بل ما تزال رقمًا صلبًا على طاولة المفاوضات، وخصمًا مكافئًا في موازين الردع، وما تزال حجارة داوود تُربك مركبات جدعون، وتمنع العبور إلى النصر الموهوم.

الحديث عن هزيمة حماس ليس مجرد تحليل سياسي، بل هو إعلان صريح عن تصفية القضية الفلسطينية. فالحركة التي باتت تمثل الرافعة الاستراتيجية للمشروع الوطني المقاوم، تُعد آخر حصون المناعة في وجه المسار الاستسلامي. إن كسرها يعني إسدال الستار على حق العودة، وانتهاء حلم التحرير، وترسيخ الكيان الصهيوني كحقيقة نهائية في وعي المنطقة. فبغيابها، تُشطَب فلسطين من الذاكرة، وتُضم الضفة رسميًا، وتُستكمل عملية تهويد القدس، بينما تُغلق ملفات اللاجئين للأبد.

ثمّة من يتوهم أن سقوط حماس يفتح الباب لسلام واستقرار، بينما الواقع يؤكد أن ما بعد هزيمتها - لا قدر الله - هو جحيم شامل. ذلك أن استسلامها يعني تهجيرًا قسريًا للفلسطينيين من غزة والضفة، وتجديدًا لمشروع النكبة عبر الإبادة العرقية، على غرار ما جرى للهنود الحمر في أميركا، أو ما حدث بعد خروج المقاومة من لبنان في مجازر صبرا وشاتيلا. إننا أمام خطر وجودي حقيقي، يتجاوز الحركة إلى الشعب كله، وإلى جوهر العدالة الدولية.

ومع كل هذا، تبقى "حماس" حركة قادرة على التجدد، بما تمتلكه من بنية تنظيمية مرنة، وخبرة ميدانية تراكمية، وشعبية ضاربة في الجذور. فالمراجعة الداخلية والتطوير الذاتي جزء من ثقافة الحركة، لا سيما في ظل المتغيرات المتسارعة. وبينما تحاول النخب المهزومة اقتناص لحظة الوجع للانقضاض على المشروع المقاوم، تتجه الحركة لإعادة بناء شبكاتها، وتقييم أدائها، وتثبيت رؤيتها الاستراتيجية على أسس أكثر صلابة.

ما تزال "حماس" تمثل الرؤية التحررية الثابتة في صراع تزداد تعقيداته، لكنها لا تتنازل عن الثوابت، ولا تغرق في تكتيكات الهامش. القدس كانت وستبقى هي البوصلة، ومقاومة الاحتلال هي المبدأ، وتحرير الأرض هو الهدف. إنها حركة تمثل جوهر الرفض العربي والإسلامي للتطبيع، ووريثة النضال الفلسطيني الممتد منذ ثورة البراق حتى الطوفان المقدس.

في النهاية، فإنّ مستقبل القضية الفلسطينية لا يمكن أن يُختزل في حجم الأنقاض أو عدد الشهداء، بل في قدرة الشعب على مقاومة مشروع الإبادة، وفي ثبات حركته التحررية على أرض المعركة. وما دامت "حماس" موجودة، فإن الشمس لم تغرب، بل تشرق من جديد فوق رماد غزة، لتعلن أن الدم لا يهزم الفكرة، وأن الحق لا يموت.

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)