-
℃ 11 تركيا
-
8 سبتمبر 2025
الأديبة ليلى الدعمي: لا أتصوّر أن يكون هناك اختلاف كبير بين مبدعي دول شمال إفريقيا ( الجزء الثاني)
حوارات الخبير محند أمقران..
الأديبة ليلى الدعمي: لا أتصوّر أن يكون هناك اختلاف كبير بين مبدعي دول شمال إفريقيا ( الجزء الثاني)
-
7 سبتمبر 2025, 9:21:05 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الأديبة ليلى الدعمي
التزمت بالتّواضع بشكل مبالغ فيه وتعفّفت عن التلهّف وراء الإشهار لشخصي
لا أتصوّر أن يكون هناك اختلاف كبير بين مبدعي دول شمال إفريقيا
يواصل موقع “ 180 تحقيقات” نشر حوارات لشخصيات أدبية وثقافية ملهمة حول العالم، واليوم نحن بصدد نشر الجزء الثاني من حوار الأديبة التونسية ليلى الدعمي..
من تكون الأديبة ليلى الدّعمي؟
ليلى الدّعمي كاتبة تونسيّة مهندسة فضاء داخلي خبيرة في التّراث، مولودة بمدينة تونس العتيقة أصيلة مدينة بنبلة من ولاية المنستير، متحصّلة على شهادة الباكالوريا آداب، والأستاذيّة في مجال علوم وتقنيّات الفنون، وشهادة الدّراسات المعمّقة التّراث والآثار. تابعت مرحلة الدّكتوراه في التّراث والآثار بالشّراكة مع المدرسة التطبيقيّة للدّراسات العليا بباريس Paris Dauphine.
يشكو الكثير من الكتّاب من صعوبات النّشر وقلّة الدّعم وعدم وجود أو وضوح السّياسات الوطنيّة للكتاب، فهل أفلتت من هذه العقبات والمشاكل؟
قد لا يتّسع المجال للخوض في موضوع النّشر والسّياسات الوطنيّة للكتاب، ونحن لا نملك المعطيات الكافية والإحصائيّات الدّقيقة في المجال، والحال أنّها مسألة داخليّة مطروحة بقوّة على السّاحة ومتداولة في الرّأي العامّ بين أصحاب الشّأن والمختصّين سواء من قبل المؤسّسات الوطنيّة والهياكل المعنيّة والمنظّمات المهنيّة ودور النّشر أو من طرف الكتّاب والمفكّرين والمبدعين. لأنّ مسألة الإبداع ليست من مشمولات مؤسّسات الدّولة فحسب، خصوصا أمام الإمكانيّات المتاحة بتوظيف التكنولوجيات والوسائط الحديثة التي أتاحت سرعة التّواصل.
ولعلّه من واجب المهنيّين ومسؤوليّات أهل الاختصاص الملحّة في القطاع، على ضرورة بلورة رؤيتهم الخاصّة أوّلا وإيجاد حلول عمليّة وابتكار تصوّرات جديدة لمعالجة الوضع بعيدا عن المسائل الربحيّة. إلاّ أنّ ذلك لا يجيز لنا عدم الاعتراف بوجود ضغوطات ذاتيّة وأخرى موضوعيّة تحفّ بالقطاع وصعوبات ماديّة يتعرّض لها الكاتب في مرحلة النّشر وعراقيل لوجستيّة وإجرائيّة على مستوى التّوزيع، تعوق انتشار أعماله الأدبيّة وإنتاجاته الفكريّة بالقدر الكافي، ناهيك عن التّعريف به والتّرويج لأثره محليّا وإقليميّا.
وفي ظلّ غياب آليّات التّحفيز والتّشجيع وخاصّة عدم وجود أسواق توزيع إقليميّة جديّة تسهّل تشبيك العلاقات بين الهياكل المهنيّة وتفرض اقتناء الإصدارات الجديدة، لا بدّ لأهل المهنة من التّفكير في تفعيل دور التّعاون المشترك بين الدوّل الشّقيقة لتوظيف الدبلوماسيّة الثقافيّة وفتح جسور أفقيّة بينها لتوزيع الكتاب وإحداث منابر إعلاميّة مختصّة ومكثّفة لكسر الحواجز النمطيّة وربط علاقات مثمرة بين المبدعين تسمح بتبادل التّجارب والاطّلاع عليها والتّرويج لها.
وأمام هذه الصّورة غير المبهجة بالمرّة، فأنا شخصيّا لم أفلت من هذه الدّائرة. ولكن حريّ بنا أن نشير إلى وجود مسالك دعم رسميّة وإن كانت قليلة، ونوافذ للنّور مفتوحة ومنابر ثقافيّة مهتمّة بالجودة ودور نشر جديّة تجلّ الأثر وتحترم الكتّاب وتبذل جهودا كبيرة لترويج المنجز والتّعريف بصاحبه، أخصّ من بينها على سبيل الذّكر لا الحصر، دار الأمينة للنّشر التي تجشّمت عناء التّرويج لكتابي »عرس القمر« بما مكّن من نفاذ الطّبعة الأولى والثّانية، وهي بصدد النّظر في إعداد الطّبعة الثّالثة. كما تمّ ترشيحه لمسابقة وطنيّة أدرج فيها على القائمة النّهائيّة للكتب المشاركة. وهذا في حدّ ذاته تقييم مهمّ للعمل يقوم مقام الجائزة.
ولا يفوتني الحديث عن صعوبة الولوج، بصفة آليّة، إلى النّوادي الأدبيّة والمقاهي الثّقافيّة والملتقيات والمجالس الأدبيّة المعنيّة بالكتاب، التي تكاد تكون في الغالب، قطاعييّة مغلقة وغير مشعّة على عموم المبدعين وتقتصر على روّادها في حدود المركزيّة الإداريّة. فيتطلّب الانخراط فيها والاستفادة من مردوديّتها، بذل جهود خاصّة من الكاتب في إطار تشبيك العلاقات العامّة، وأخرى ماديّة لتغطية نفقات التنقّل والإقامة إذا كانت خارج دائرة العاصمة.
كيف تروّجين لكتاباتك، هل هناك نوادي ومقاهي أدبيّة، أو شبكات تنشطين فيها؟
بقدر ما أوسم به من جديّة ومثابرة في العمل، والحرص على جودة الأثر شكلا ومضمونا، إلى درجة عدم التّسامح مع ذاتي، سواء بتكثيف عمليّات إعادة القراءة والمراجعة المتواصلة للنّصوص، أو بالاستعانة بكثير من ذوي الخبرة في الإصلاح واستشارتهم، فأنا أعترف بالتّقصير في حقّ نفسي.
وفي المقابل، تلقّيت دعوات تكريم وتقديم كتاب »عرس القمر« للتّعريف به من عديد دور الثّقافة والمكتبات العموميّة والنّوادي الأدبيّة العريقة ذات القيمة الثّابتة في المجال، استفدت من جديّة تعاطيها مع الكتاب وثراء ملاحظات روّادها، على غرار نادي القصّة »أبو القاسم الشّابي« أو بيت السّرد أو اتّحاد الكتّاب أو مجالس الخميس أو النّوادي الثقافيّة أو المكتبات العموميّة أو دور الشّباب وغيرها من الفضاءات الثقافيّة.
قد يبدو هذا الكمّ من الدّعوات واللّقاءات الأدبيّة، كافيا للتّعريف بالمبدعين وإنتاجاتهم، إلاّ أنّه على أهميّتها وأمام غياب مجالس النّقد بمختلف مدارسه وحلقات القراءة الأدبيّة والحوارات الجديّة وورشات السّرد، لا يمكن للقطاع أن ينهض وينتعش الإنتاج وينعم المبدعون. كما أنّ وسائل الاتّصال المحترفة، مثل القنوات التلفزيّة والإذاعيّة والصّحف على قلّتها، والمواقع والرّقميّة لا تواكب هذه المنابر لتغطيتها إعلاميّا وتقريبها من المواطن. وبهذه الطّريقة أخشى أن يبقى عالم الأدب منعزلا عن الحياة العامّة.
ماذا عن الإعلام الثّقافي، هل هو مرافق دائما لك أم لديك بدائل؟
قد أقسو على الإعلام الثّقافي الذي يبدو غير منشغل سوى بالفنون الصّوتيّة المستساغة وسهلة الاستهلاك مثل الانتاح الموسيقي والغنائي وفنون العرض في المسارح والمهرجانات والتّظاهرات الموسميّة والأنشطة الثقافيّة الرسميّة، أكثر من اهتمامه الإبداع الأدبي والفكري. إلاّ أنّ الواقع قد فرض هذا الوضع في خضمّ التحوّلات التكنولوجيّة التي تشهدها مختلف الشّعوب وانفتاح العالم على مصادر المعلومات. كما أنّ انفلات الوسائط الحديثة وهجوم الذّكاء الاصطناعي كلّ ذلك أثّر بعمق على طريقة التّعاطي مع الكتاب التّقليدي.
ولعلّ زخم المادّة الإعلاميّة المتوفّرة وسرعة تدفّقها بكميّات مهولة، من هنا وهناك دون تكبّد عناء اقتناء كتاب وقراءته لصياغة مقال ما، يدعونا إلى إعادة النّظر في منظومة صناعة الكتاب وخاصّة إعادة تهيئة الفضاءات الثقافيّة المعنيّة بالكتاب وتحديث أجهزتها بما يتطابق مع متطلّبات العصر وتغيير أدوات التّواصل الكلاسيكيّة المعتمدة بمفردات العصر خاصّة أمام تراجع قيمة الكتاب وكلّ ما هو ورقي خاصّة مع تغيّر أدوات التّواصل ومفرداته.
ربّما من أكبر أخطائي، أنّي كنت قد آليت على نفسي الإلتزام بالتّواضع، بشكل مبالغ فيه، وتعفّفت عن التلهّف وراء الإشهار لشخصي والتّرويج لإنتاجي حتّى على شبكة التّواصل الاجتماعي. وهي بالنّسبة لي، مسألة مبدئيّة إيمانا منّي بأنّ دور الكاتب ينتهي عند إصدار الأثر ليبقى يتابع ردود فعل القرّاء ورجع صدى النّقد. وبقدر ما يبتعد شخص الكاتب عن مسألة التّرويج بقدر ما يكسبه ذلك بعد نظر ويمنحه مسافة من الأثر الذي لم يعد ملكا له. إذ يعتبر التّرويج نوعا من الإشهار الذي لا يكتسي صبغة موضوعيّة بل هو مغرق في المسائل الذّاتيّة بما قد يضرّ الأثر وينفخ في صورة الكاتب دون عمق.
وأعتقد أنّ التّرويج للكتاب يجب أن يبقى من مهامّ الهياكل المهنيّة الثقافيّة والأدبيّة المعنيّة بالكتاب ودور النّشر ووسائل الإعلام، في إطار سياسة عامّة ترسم خطّة إعلاميّة شاملة لمنظومة تعنى بصناعة الكتاب التي لا بدّ أن تخضع ضرورة إلى معايير فنيّة وتقييمات أكاديميّة حتّى لا تنفلت الأمور، دون أن يكون للنّقد دور وللجامعة قول وللمختصّين وأهل الذّكر رأي. فالبدائل الحقيقيّة للتّرويج هي تفعيل مدارس النّقد وتكثيفها مع المصاحبة الإعلاميّة للنّهوض بالأدب والارتقاء به إلى مصافّ الإبداع الإنساني.
هل لك مشاركات وتشبيك مع أدباء، جمعيّات أدبيّة، ملتقيات من شمال إفريقيا؟
للأسف أن أقرّ بالنّفي في هذه المسألة. مغ أنّ شعوب مجتمعات منطقة شمال إفريقيا، بخلاف مناطق أخرى، لها إرث ثقافي وحضاري متشابه يكاد يكون متطابقا، وروابط تاريخيّة مشتركة وطيدة. وأمام تقارب الموقع الجغرافي، كان من المفروض إحداث جسور تبادل بين المبدعين ونسج علاقات أكثر نجاعة خصوصا في مجال الكتاب والثّقافة والإبداع عموما. ورغم ذلك أخجل أن أقول أنّه لم يسعفني الحظّ للتّواصل مع بعض الكتّاب والأدباء أو جمعيّات أدبيّة من شمال إفريقيا سواء لتبادل التّجارب فيما بيننا أو للمشاركة في ملتقيات من هذا النّوع.
قد يعود ذلك إلى غياب الرّوابط المهنيّة وآليّات التّواصل في المجال، وقد ألوم نفسي في هذه الحالة قبل أن ألقي المسؤوليّة على غيري لأنّي لم أسع لذلك مع أنّه لي كلّ الاستعداد لتلافي هذا النّقص بربط علاقات ثقافيّة وأدبيّة للتبادل الإيجابي وإثراء تجربتي. وكم وددت أن أطّلع على بعض أعمال أشقّائنا في القصّة والرّواية والشّعر وحتّى في مختلف الإنتاجات الفكريّة والدّراسات العلميّة.
كيف تنظرين لمستويات الكتابة في بلدان شمال إفريقيا، من حيث البناء اللّغوي والمخيال وتقنيّات السّرد؟
رغم قلّة اطّلاعي على الأعمال الحديثة لهذه البلدان، باستثناء الإنتاجات الكلاسيكيّة المعروفة التي سمحت لنا المناهج التربويّة بالتعرّف عليه خلال المسار المدرسي والجامعي، وبالنّظر إلى أدوات الكتابة التي توظّف اللّغة العربيّة كقاسم مشترك في المطلق، فلا بدّ أن يكون هناك بالضّرورة تقارب في الذّائقة والثّقافة والعادات والتّقاليد. كما أنّ مستويات اللّغة لا تتجلّى سوى بوعي الكاتب أثناء توظيفها وقدرته على صياغة مفرداتها بشكل يضفي عمقا على المعنى.
وبالنّزر إلى أنّ الخيال المحرّك الأساسي لجهاز الذّاكرة، فلا يمكننا أن نتصوّر، إلى أيّ مدى يمكن للتّخييل أن يطوّح بالمتلقّي من خلال إعادة تركيبه للمجازات المضمّنة في الأثر. لذلك يعمد المبدع المحنّك إلى دسّ مفردات مفاتيح تتيح تفكيك الرّموذ في ذهن المتلقّي واستكشاف دلالاتها وفكّ شفرتها وتأويلها من خلال رجع صدى السّرد في تمثّلات الفرد والجماعة وبالتّالي إدراك الرّسائل.
لذلك أنا لا أتصوّر أن يكون هناك اختلاف كبير بين مبدعي هذه المجتمعات، سوى في قدرة كلّ منهم على التّلاعب في ترتيب تقنيّات السّرد والتفرّد بأسلوب الإدهاش لخلق مشهديّات إبداعيّة تشدّ انتباهنا. كما أنّ الخصوصيّات الذّاتيّة والمحليّة لكلّ من هذه البلدان، يمكنها أن تحقّق التّمايز وتخلق مادّة الإبداع كما هو الشّأن بين مبدع وآخر من نفس البلد. والإبداع في النّهاية هو لغة الإنسانيّة في كلّ زمان ومكان، فما بالك في مجتمعات لها أكثر من مرجعيّة مشتركة.










