نتنياهو يبتز مصر بصفقة الغاز.. عندما ارتهنت القاهرة للقرار الإسرائيلي

profile
  • clock 3 سبتمبر 2025, 9:46:04 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

لم يعد الغاز الطبيعي مجرد ملف اقتصادي في يد إسرائيل، بل تحوّل إلى ورقة ضغط استراتيجية تستخدمها الحكومة الإسرائيلية في مواجهة مصر. فقد كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمر بعدم المضي في الصفقة الضخمة لتصدير الغاز إلى القاهرة إلا بعد موافقته الشخصية، في خطوة تحمل أبعادًا سياسية وأمنية تتجاوز حدود الاقتصاد. وتأتي هذه التوجيهات في ظل مزاعم إسرائيلية عن خروقات مصرية لاتفاقية السلام عبر تعزيز الوجود العسكري في سيناء، وهو ما تحاول تل أبيب توظيفه كورقة مساومة.

هذه المعادلة تكشف أن إسرائيل لا تنظر إلى تصدير الغاز باعتباره اتفاقًا تجاريًا عاديًا، بل كأداة ابتزاز تهدف إلى فرض شروطها السياسية. فمصر التي تعاني منذ سنوات من أزمة في إمدادات الطاقة وانقطاعات متكررة للكهرباء، تبدو في موقع المحتاج، بينما تعمل تل أبيب على استغلال حاجتها الماسّة لضمان التزامات أمنية تخدم المصلحة الإسرائيلية أولًا وأخيرًا.

تفاصيل الصفقة العملاقة

الصفقة التي وُصفت بأنها "الأكبر في تاريخ إسرائيل" تصل قيمتها إلى نحو 35 مليار دولار، وتشمل تصدير 130 مليار متر مكعب من الغاز من حقل لفياثان حتى عام 2040. وقد وقعت عليها شركتا "رتسيو" و"نيو ميد إنرجي" التابعتان لمجموعة ديلك المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي يتسحاق تشوفا، بينما تمثل شركة "بلو أوشن إنرجي" المصرية الطرف المشتري.

هذه الصفقة تنضم إلى الإمدادات الإسرائيلية المستمرة من الغاز لمصر خلال السنوات الخمس الماضية، لكنها تحمل ثقلًا مضاعفًا لأنها ليست مجرد عقد توريد جديد، بل ترتبط بمصادقة وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين الذي يمتلك صلاحية تمريرها أو تجميدها. ورغم أن التوجه كان نحو المصادقة دون عراقيل، إلا أن الضغوط السياسية الناتجة عن التقارير بشأن التحركات العسكرية المصرية دفعت نتنياهو إلى الإمساك بزمام القرار وتحويله إلى سلاح تفاوضي.

الارتهان للقرار الإسرائيلي

المفارقة الكبرى أن مصر، وهي الدولة العربية الأكبر وصاحبة ثقل إقليمي، وجدت نفسها ترتهن عمليًا لقرار سياسي إسرائيلي يحدد مصير أمنها الطاقوي. فالاتفاق الأخير، الذي أعلن عنه وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين بوصفه "الأكبر في تاريخ إسرائيل"، لم يُقدَّم فقط كصفقة تجارية، بل كمنجز استراتيجي يعزز مكانة تل أبيب كقوة إقليمية يعتمد عليها جيرانها ويحتاجون إليها. وبذلك، يعلن المسؤولون الإسرائيليون بوضوح أن مصر لم تعد شريكًا في اتفاق طاقة، بل زبونًا مضطرًا يشتري الغاز بشروط الطرف الأقوى.

وبحسب التفاصيل التي أعلنتها شركة "نيو ميد" الإسرائيلية، فإن الصفقة تمتد حتى عام 2040 أو إلى حين استكمال توريد 130 مليار متر مكعب من الغاز، مع دفع القاهرة سعرًا أعلى بنسبة تقارب 15% عن الاتفاق السابق. أي أن مصر قبلت أن تتحمل عبء مالي إضافي يقدر بنحو 35 مليون دولار عن كل مليار متر مكعب، رغم أزمتها الاقتصادية الخانقة. والأسوأ أن هذه التوسعة جاءت في ظل حرب إبادة إسرائيلية متواصلة في غزة، وهو ما يضع القاهرة في موقع حرج سياسيًا، إذ تواصل التفاوض وتوسيع التعاون مع حكومة يقودها اليمين المتطرف، في الوقت الذي يواجه فيه الشعب الفلسطيني في القطاع أسوأ كارثة إنسانية منذ عقود.

الأمر لا يتوقف عند الأعباء المالية، بل يمتد إلى التبعية الهيكلية في مجال الطاقة، إذ أن تنفيذ الاتفاق يتطلب توسيع خط أنابيب "أشدود–عسقلان" وتطوير حقل "ليفياثان"، وهي مشاريع لا تملك مصر السيطرة عليها، ما يعني أن قرار الضخ وزمنه سيبقى في يد إسرائيل. وبهذا، سمحت القاهرة لنفسها أن تتحول إلى رهينة لمزاج حكومة نتنياهو التي طالما لوّحت بوقف الإمدادات كورقة ضغط. وقد رأينا كيف قطعت إسرائيل الغاز أكثر من مرة منذ حرب أكتوبر 2023، كان آخرها خلال مواجهة يونيو 2024 مع إيران، ما تسبب في عجز ضرب الصناعات المصرية بشدة.

إن القبول بهذه المعادلة يثير تساؤلات صعبة: كيف تُراهن مصر على استقرار استيراد الغاز من دولة تُدير حرب إبادة وتخضع لإرادة يمين متطرف لا يتردد في خلط السياسة بالاقتصاد؟ وكيف تتحول "اتفاقية الغاز" إلى قيد طويل الأمد يرسخ التبعية ويمنح إسرائيل نفوذًا إضافيًا في ملف حيوي كأمن الطاقة المصري؟ الإجابة المؤلمة أن القاهرة سمحت لنفسها بأن تضع رقبتها تحت سيف تل أبيب، في وقت كان يمكنها البحث عن بدائل أكثر استقلالية، حتى لو كانت أكثر تكلفة على المدى القصير.

البعد الأمني والسياسي

اللافت أن إسرائيل تحاول إقحام البُعد الأمني في ملف اقتصادي بحت، عبر الادعاء أن مصر انتهكت الملحق العسكري لاتفاقية السلام، وأن قوة المراقبين الدولية المدعومة أمريكيًا لم تعد تتابع بدقة حجم الانتشار المصري في سيناء. بهذا المنطق، تسعى تل أبيب إلى ربط أي منفعة اقتصادية تحصل عليها القاهرة بالقبول الصارم لشروط أمنية، ما يجعل الغاز أداة هيمنة وليست مجرد سلعة للطاقة.

هذه السياسة تكشف كيف يحاول نتنياهو، في لحظة مأزومة داخليًا وخارجيًا، أن يحوّل الغاز إلى وسيلة لإظهار الحزم أمام المؤسسة الأمنية واليمين الإسرائيلي. فالمسألة لا تتعلق فقط بالغاز أو بسيناء، بل بقدرة الحكومة على فرض معادلات جديدة تُظهر إسرائيل في موقع القوة الذي يملي على الآخرين شروطه حتى في الملفات الاقتصادية.

التعليقات (0)