-
℃ 11 تركيا
-
28 أغسطس 2025
بعد تقديمها أسلحة للاحتلال بـ485 مليون يورو.. ألمانيا "تتبرع" بوحدات سكنية متنقلة لغزة
بعد تقديمها أسلحة للاحتلال بـ485 مليون يورو.. ألمانيا "تتبرع" بوحدات سكنية متنقلة لغزة
-
27 أغسطس 2025, 2:27:34 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بداية شهر أغسطس 2025 في غزة - صبي يجلس بين الأنقاض بعد غارة جوية إسرائيلية
متابعة: عمرو المصري
أعلنت وزيرة التنمية الألمانية، ريم العبلي-رادوفان، خلال جولتها في الشرق الأوسط، عن حزمة إجراءات لدعم سكان قطاع غزة تحت عنوان "التعافي المبكر". وتشمل هذه التدابير توفير وحدات سكنية مؤقتة مسبقة الصنع، وصيانة شبكات المياه والمدارس، ودعم برامج "النقد مقابل العمل" لخلق وظائف مؤقتة.
وقالت الوزيرة في تصريحاتها: "الأسر بحاجة إلى مأوى يحميهم، والأطفال بحاجة إلى سرير ومرافق صحية. نسعى للمساعدة في إعادة بناء المنازل من تحت الأنقاض. ولتحقيق ذلك، من الضروري أن يكون هناك وقف دائم لإطلاق النار؛ يجب على الحكومة الإسرائيلية وقف العمليات العسكرية، وعلى حماس أن تضع السلاح جانبًا وتفرج عن الرهائن بلا شروط".
ووفق المخطط الألماني، ستحصل كل أسرة متضررة على وحدتين سكنيتين بمساحة 17.5 متر مربع لكل وحدة، فيما تتشارك أسرتان المرافق الصحية، بينما يتقاسم نحو عشرين أسرة مطبخًا وغرفة اجتماعات. وتشير الوزارة إلى أن المرحلة الأولى ستغطي إيواء نحو 400 أسرة من الأكثر تضررًا، في ظل حقيقة أن 92% من منازل غزة قد دُمرت أو أصبحت غير صالحة للسكن.
وحتى التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم، تواصل برلين تمويل مشروعات صغيرة في القطاع، تشمل الدعم النفسي والاجتماعي، مساعدة ذوي الإعاقة، وتحسين خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة، إضافة إلى برامج تشغيل مؤقتة في مجالات التعليم والرعاية الصحية. أما على المدى الأطول، فتتحدث الوزارة عن حلول سكنية مستدامة، ودعم لقطاعات الكهرباء والمياه والنفايات والتعليم والصحة.
الوزيرة التقت في رام الله رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى وعددًا من الوزراء لبحث مستقبل الإعمار والمسار السياسي لغزة، على أن تزور إسرائيل والأردن والسعودية في محطاتها التالية.
سلاح لإسرائيل.. ومأوى للفلسطينيين
في مقابل هذا الدعم الإنساني المحدود، تكشف البيانات الرسمية أن ألمانيا ظلت حتى وقت قريب من أبرز موردي السلاح لإسرائيل. فبحسب وزارة الاقتصاد الألمانية، جرى منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى مايو 2025، التصديق على صفقات أسلحة ومعدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 485 مليون يورو.
هذه الأرقام أثارت جدلاً سياسيًا واسعًا داخل ألمانيا، لا سيما بعدما أعلن المستشار فريدريش ميرز في أغسطس الجاري وقف توريد أي أسلحة يمكن استخدامها في غزة. قرار وصفته صحيفة بيلد بأنه "أكبر خطأ" للمستشار، فيما اعتبره آخرون مجرد خطوة رمزية، خاصة وأن وزارة الدفاع أقرت بأن برلين لم تعد عمليًا ترسل ذخائر لإسرائيل منذ أواخر 2023.
ومع ذلك، فإن ألمانيا لا تزال ثاني أكبر مصدر للسلاح لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، كما أنها تعتمد بدورها على صناعات الدفاع الإسرائيلية، سواء في الدفاع الجوي أو مضادات الطائرات المسيرة أو التعاون الاستخباراتي. وتشمل الصفقات المشتركة نظام اعتراض الصواريخ "حيتس-3" وتحديث أسطول الطائرات الألمانية بأنظمة دفاع إسرائيلية.
جدل داخلي وضغط شعبي
داخل ألمانيا، يتزايد التباين بين المسؤولين والسياسيين. فبينما يدافع المستشار ميرز عن قراره بوقف تصدير السلاح إلى غزة بوصفه "خلافًا يمكن للصداقة تحمله"، يصرّ قادة في حزبه المسيحي الديمقراطي على أن أي إضعاف للتعاون الأمني مع إسرائيل يضر بالمصلحة العليا الألمانية المرتبطة بمسؤولية تاريخية عن الهولوكوست.
في المقابل، يكشف الرأي العام عن ميل متزايد للضغط على إسرائيل:
66% من الألمان – وفق استطلاع أجرته "دويتشلاند تريند" – يريدون من حكومتهم ممارسة ضغوط أكبر على إسرائيل لتغيير سلوكها في غزة.
58% يؤيدون وقف توريد السلاح بشكل مؤقت على الأقل.
فقط 31% من الألمان ما زالوا يرون أن لبلادهم "مسؤولية خاصة تجاه إسرائيل" بسبب المحرقة، مقارنة بنسبة أعلى في السنوات السابقة.
هذا الانقسام انعكس أيضًا في الإعلام الألماني:
مجلة دير شبيغل نشرت افتتاحيات وصفت ما يحدث في غزة بأنه "جريمة"، وانتقدت ما اعتبرته "تواطؤًا" من حكومة برلين.
في المقابل، دافعت صحيفة بيلد عن إسرائيل وهاجمت قرار ميرز، معتبرة أنه تراجع غير مبرر في لحظة حرب.
بين الإنسانية والسياسة
التباين بين ما تقدمه ألمانيا للفلسطينيين من خيام ووحدات مؤقتة، وما تمنحه لإسرائيل من أسلحة متطورة بمئات الملايين، يضع سياسة برلين أمام اختبار صعب. فهي من جهة تتحدث عن مأساة إنسانية في غزة وتعلن إرسال مساكن مسبقة الصنع وأدوية ودعمًا نفسيًا، ومن جهة أخرى تواصل تسليح الطرف الذي يتهمه كثيرون بالتسبب في هذه المأساة.
وفي حين ترى الحكومة أن تعليق بعض صادرات السلاح خطوة "تحذيرية" لإسرائيل، يعتبرها منتقدون مجرد محاولة لامتصاص الغضب الشعبي الأوروبي والعالمي من حجم الكارثة الإنسانية. أما بالنسبة لسكان غزة، فما يصلهم حتى الآن هو بعض الدعم الإغاثي، بينما يبقى ميزان القوة الفعلي مرهونًا بمصانع السلاح الألمانية وصادراتها المستمرة إلى تل أبيب.










