محلل إسرائيلي يكتب: لن يكون في الإمكان إخفاء ذلك.. ثمن احتلال قطاع غزة

profile
  • clock 9 أغسطس 2025, 7:24:56 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
محلل إسرائيلي يكتب: لن يكون في الإمكان إخفاء ذلك.. ثمن احتلال قطاع غزة

على خلفية التصريحات المنسوبة إلى "جهات في محيط رئيس الحكومة"، والتي تفيد بنيّته احتلال قطاع غزة بالكامل، من الضروري التحدّث عن الأبعاد القِيَمِيَّةِ، والاستراتيجية، والسياسية، والأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية المرافِقة لهذه الخطوة.


ويدور الجدل هنا بشأن الترتيبات المستقبلية التي ستُفرض على قطاع غزة منذ اليوم الأول للحرب تقريباً. وقد حدد وزراء اليمين المتطرف في الحكومة منذ ذلك الحين هدفهم؛ إعادة احتلال القطاع وإقامة مستوطنات إسرائيلية فيه. أمّا رئيس الحكومة، فقد صرّح في السابق بأن على غزة أن تُدار من جانب حكمٍ مدنيّ لسكان القطاع (لكن ليس من جانب السلطة الفلسطينية)، وبإشراف من الدول العربية، على أن يُسيطر الجيش الإسرائيلي على أجزاء من قطاع غزة بحسب الحاجة، من دون إقامة مستوطنات إسرائيلية هناك.
 

لكن مع استمرار القتال، وخصوصاً منذ انطلاق عملية "مركبات جدعون"، توسّعت سيطرة الجيش الإسرائيلي على الأرض بصورة كبيرة، بحيث أنه حتى قبل التصريحات الأخيرة، وقبل اتخاذ أي قرار علني في هذا الشأن، يَبْرُزُ التخوّف من أن إسرائيل تنزلق فعلاً وبوتيرة سريعة نحو احتلال القطاع. ولكي يكون النقاش العام بشأن هذه المسألة واعياً، وتكون تبعاتها البعيدة المدى مفهومةً على نحو جيّد، فمن الأفضل أن نبدأ في فهم الدلالات القانونية للاحتلال، والواجبات التي تترتّب على دولة إسرائيل نتيجة هذا الوضع.
 

من "حماس" إلى الجيش الإسرائيلي: كيف تتحوّل إسرائيل إلى السلطة المُسيطرة في القطاع؟
لقد تم تثبيت العديد من قواعد قانون الاحتلال قبل نحو 120 عاماً في لائحة لاهاي لسنة 1907، ونالت مكانة القانون الدولي العرفي الذي يُلزم جميع الدول. وتُطبَّق هذه القواعد عندما تتحقّق "حالة احتلال حربي"، أي عندما تُقيم دولة ما "سيطرة فعلية" على أرض تقع خارج حدودها (غالباً ما تكون أراضي دولة أُخرى كانت في حالة حرب معها)، وتَنْتُجُ من ذلك واجبات وحقوق تجاه السكان المقيمين بتلك الأرض، الذين تُعرّفهم اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 بأنهم "أشخاص محميّون"، وأيضاً تجاه الإقليم نفسه والأملاك العامة والخاصة الكائنة فيه.


وفي هذا السياق، تحلّ الدولة المُحتلّة، عملياً وبصورة موقّتة، محلّ السلطة السابقة في جوانب متعددة، لكنها تخضع لقيود عديدة على صلاحياتها، بهدف حماية حقوق "الأشخاص المحميين" الذين يسكنون في الإقليم المحتَل، ومنْع إحداث تغييرات جوهرية في هذا الإقليم ما دام النزاع لم يُحَلّ بعد. ويمكن أن تُعتبر السيطرة الفعلية قائمة حتى لو لم تكن القوات العسكرية منتشرةً في كل جزء من الإقليم.
 

من المهم جداً فهْم الواجبات المُلقاة على عاتق الدولة المُحتلّة لضمان سلامة سكان الإقليم المحتَل ورفاههم في مختلف جوانب حياتهم، بما في ذلك التغذية، والصحة، والمحافظة على النظام العام. يمكن للدولة المحتلة أن تُنفّذ مسؤولياتها عبر الاعتماد على جهات أُخرى، كالمنظمات الدولية أو الأطراف المحلية، لكن في نهاية المطاف، تقع المسؤولية الكاملة على عاتقها. أي أنه لا مانع من أن تتم عمليات توريد الغذاء وتقديم الخدمات الصحية من جانب جهات أُخرى تعمل في الإقليم المحتَل، لكن إذا لم تكن هذه الجهود كافية، فإن على الدولة المحتلة أن تتأكد من حصول السكان على حاجاتهم، بما في ذلك سدّ النقص عند الحاجة، حتى من مواردها الخاصة.
 

هذه الالتزامات القانونية الملقاة على عاتق الدولة المحتَلة تقف حالياً في خلفية الاتهامات الموجَّهة ضد سياسة إسرائيل في تقديم المساعدات الإنسانية في قطاع غزة؛ فوفقاً لعدد من الدول، كبريطانيا، فإنه لم ينتهِ وضع إسرائيل كقوة احتلال في قطاع غزة (بسبب سيطرتها على حدود القطاع وجوانب متعددة من الحياة فيه)، وبالتالي، فإن إسرائيل، منذ اليوم الأول للحرب، تتحمّل واجبات نشيطة لضمان تأمين الغذاء ورفاه سكان غزة.
 

وكان موقف الحكومة الإسرائيلية، كما عُرض أمام المحكمة العليا قبل عدّة أشهر في التماسات طعنت في قانونية سياستها الإنسانية في القطاع، أن المناطق التي يقيم بها السكان الفلسطينيون في غزة لا تُعتبر أراضيَ محتَلة، وبالتالي، فإن التزاماتها الإنسانية تقتصر على السماح بدخول مساعدات إنسانية من جانب أطراف أُخرى. وقد قبلت المحكمة هذا الموقف، وقررت أن قطاع غزة لا يخضع لاحتلال إسرائيلي، لكن الجيش الإسرائيلي وسّع منذ ذلك الحين سيطرته بصورة كبيرة داخل القطاع، وتزايدت المزاعم الدولية بأن إسرائيل أصبحت فعلاً مُلزَمة بواجبات الدولة المحتلة، على الأقل في بعض أجزاء القطاع.
 

الحكومة لا تُظهر للجمهور التبعات


على الرغم من ذلك، فإنه يبدو من تصرفات الحكومة أنها تحاول التهرّب من الاعتراف بوضعها كقوة احتلال؛ إذ تمتنع من إقامة "إدارة عسكرية" أو "إدارة مدنية" في القطاع على غرار ما هو قائم في الضفة الغربية، وتُصرّ على أن توزيع المساعدات الإنسانية على سكان غزة يتمّ بواسطة أطراف ثالثة. لكن، على الرغم من محاولات التعتيم من جانب الحكومة وغياب الشفافية بشأن تنظيم هذه النشاطات وتمويلها، فإننا نعلم من حين إلى آخر أن الحكومة باتت تحلّ شيئاً فشيئاً محلّ "حماس" كسلطة سابقة في القطاع. ووفقاً لتقارير في الأيام الأخيرة، على لسان "مسؤولين في محيط نتنياهو"، فقد "اتُّخذ القرار، نتجه نحو احتلال كامل."


لن تقلّص محاولات الحكومة لإخفاء ذلك، سواء عبر الامتناع من إقامة إدارة مدنية، أو محاولة منْع التواصل المباشر بين الجيش الإسرائيلي والسكان الفلسطينيين، من التزامات إسرائيل القانونية في حال ترسّخ وضعها كقوة محتلة في قطاع غزة.


ولإعادة احتلال قطاع غزة تبِعات بعيدة المدى على دولة إسرائيل، بدءاً من الآثار السياسية (ويكفي التذكير بالأثمان الدبلوماسية الباهظة التي تدفعها إسرائيل حتى اليوم نتيجة سيطرتها الطويلة الأمد على الضفة الغربية)، مروراً بالتبعات الأمنية (إبقاء الاحتلال في غزة سيشكّل عبئاً إضافياً على الجيش الإسرائيلي، وسيأتي على حساب مهام أُخرى، فضلاً عن زيادة العبء الثقيل أساساً على الجنود)، والتبعات الاقتصادية (النتائج المالية والاقتصادية المترتبة على إسرائيل وعلى دافع الضرائب الإسرائيلي جرّاء السيطرة على قطاع غزة، بما فيه من كثافة سكانية واقتصاد منهار وبنية تحتية مدمَّرة، ستكون ثقيلة جداً)، وانتهاءً بالآثار القيمية الناتجة من السيطرة على أكثر من مليونَي فلسطيني إضافي.


وَبِحُكْمِ كون إسرائيل "دولة ديمقراطية"، فقد كان من المفترَض أن تنتهج الحكومة شفافية كاملة بشأن خططها المتعلقة بقطاع غزة، وكذلك في سياساتها وممارساتها هناك. لكن بدلاً من عرْض هذه التبعات أمام الجمهور وإجراء نقاش عام صادق وحقيقي، فإنها تُخاطر بإنشاء واقع احتلال زاحف، سيتوجب علينا التعامل مع تبعاته الخطِرة لأعوام طويلة قادمة

كلمات دليلية
التعليقات (0)