-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
ما الذي غيّر مواقف حزب العمال الكردستاني؟ قراءة في العوامل الداخلية والخارجية
أولًا: العوامل الداخلية... واقع كردي متغير
ما الذي غيّر مواقف حزب العمال الكردستاني؟ قراءة في العوامل الداخلية والخارجية
-
12 مايو 2025, 1:54:38 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
تحولات جديدة في موقف حزب العمال الكردستاني تفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية: هل نحن أمام تغير حقيقي في الاستراتيجية، أم مجرد تكتيك سياسي عابر؟
في تطور لافت، بدأت مواقف حزب العمال الكردستاني (PKK) تشهد تغيرات واضحة في لهجتها السياسية وتوجهاتها الميدانية، ما يدفع نحو إعادة قراءة السياقات التي أدت إلى هذا التحول، سواء على المستوى الداخلي الكردي، أو في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية.
أولًا: العوامل الداخلية... واقع كردي متغير
من الواضح أن البيئة الداخلية المحيطة بالحزب شهدت تحولًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. فالصراعات الممتدة، والخسائر المتتالية، وتغير المزاج الشعبي في مناطق الأكراد، كلها عوامل ضغطت على الحزب لإعادة النظر في خياراته.
كذلك، فإن تصاعد تطلعات الشباب الكردي نحو مستقبل سياسي سلمي، ورغبتهم في تجاوز مرحلة السلاح، أضعفت من شرعية النهج المسلح. بالإضافة إلى ذلك، ساهم تراجع الدعم الشعبي للحزب في مناطقه التقليدية، نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، في خلق بيئة داخلية تحفّز على التحول نحو خطاب أكثر واقعية.
ثانيًا: المتغيرات الإقليمية والدولية
على الصعيد الإقليمي، لعبت التغييرات في التحالفات الدولية والإقليمية دورًا مؤثرًا في إعادة صياغة موقف الحزب. فالتقارب التركي – العربي، وانشغال إيران بملفات داخلية، وتراجع النفوذ الأميركي في بعض مناطق شمال سوريا، كلها عناصر أدت إلى إضعاف العمق الاستراتيجي لحزب العمال الكردستاني.
علاوة على ذلك، فإن تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية في العديد من العواصم الغربية جعل من الصعب عليه الحفاظ على نفس هامش المناورة السياسي والعسكري، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية والأمنية التي تعاني منها المناطق التي ينشط فيها.
ثالثًا: سياسة تركيا الإقليمية
لا يمكن فهم هذا التحول دون التوقف عند الدور التركي المباشر، فأنقرة استخدمت خلال السنوات الأخيرة مزيجًا من الضغط العسكري والدبلوماسية الناعمة في تعاملها مع ملف "العمال الكردستاني".
فمن جهة، شنت تركيا عمليات عسكرية مركّزة في شمال العراق وسوريا استهدفت قيادات بارزة في الحزب. ومن جهة أخرى، تركت أبواب التفاوض مفتوحة، مع إشارات إيجابية من بعض المسؤولين الأتراك حول إمكانية العودة إلى مسار الحوار إذا ما أظهر الحزب "جدية في التخلي عن السلاح".
هذه السياسة المزدوجة نجحت في فرض وقائع جديدة على الأرض، دفعت الحزب إلى مراجعة مواقفه وتحركاته، وربما التفكير في خيارات بديلة عن الصراع المسلح.
رابعًا: هل يمهّد القرار لتسوية كردية شاملة داخل تركيا؟
في ظل هذه المعطيات، يُطرح سؤال جوهري: هل التغيير في مواقف "العمال الكردستاني" مقدمة لتسوية شاملة للملف الكردي داخل تركيا؟
تشير بعض التحليلات إلى أن الحزب بات أكثر استعدادًا لقبول تسويات سياسية ضمن إطار الدولة التركية، خاصة إذا ما توفرت ضمانات دستورية وثقافية للأقلية الكردية. ويعزز هذا الاتجاه ظهور مؤشرات داخل تركيا نفسها على رغبة في إعادة فتح ملف المصالحة، ولو بصيغة مختلفة عن مبادرات سابقة.
لكن، لا تزال العقبات كثيرة، أبرزها فقدان الثقة المتبادل، واستمرار خطاب الشكوك والتخوين من بعض الأوساط السياسية، بالإضافة إلى الضغوط الانتخابية التي تجعل من الملف الكردي ورقة حساسة يصعب تداولها في العلن.
خامسًا: التأثير على وحدة الأراضي التركية
أحد أبرز التساؤلات التي تطرح نفسها في هذا السياق هو: كيف ينعكس هذا التغيير على وحدة الأراضي التركية؟
الجواب يتوقف على كيفية إدارة المرحلة المقبلة. فكلما اقتربت تركيا من معالجة الملف الكردي عبر الحوار والمواطنة المتساوية، كلما ضمنت حماية نسيجها الوطني، وأبعدت شبح الانفصال الذي لطالما لوّح به خصوم الداخل والخارج.
لكن في المقابل، فإن تجاهل المطالب الكردية أو قمع الحركات السياسية الكردية المعتدلة قد يعيد الأوضاع إلى المربع الأول، ويُغذي التيارات المتطرفة مجددًا.
ما بعد التحول... اختبار للنوايا والسياسات
في النهاية، يمثل تغير مواقف حزب العمال الكردستاني لحظة فارقة، لكنها لا تكفي وحدها لإحداث تغيير حقيقي. المطلوب اليوم هو التقاط هذه الإشارة، والبناء عليها سياسيًا وميدانيًا، من خلال فتح قنوات تواصل مدروسة، وتقديم رؤية متكاملة للحل الكردي في تركيا.
وحده الحوار الحقيقي، المبني على الاعتراف بالحقوق، يمكن أن يُنهي أربعة عقود من الصراع، ويفتح صفحة جديدة من الاستقرار في الداخل التركي، والإقليم ككل.









