-
℃ 11 تركيا
-
25 سبتمبر 2025
عمر محمد العرب يكتب: بتاريخ: الخامس والعشرون من أيلول سنة ألفين وخمس وعشرين
عمر محمد العرب يكتب: بتاريخ: الخامس والعشرون من أيلول سنة ألفين وخمس وعشرين
-
25 سبتمبر 2025, 11:56:38 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أثر التطورات السياسية والاستراتيجية في العالم بين اعتراف أممي متجدد وواقع فلسطيني دامي
في أروقة الأمم المتحدة، حيث تتعالى خطابات القادة وتتشابك الرؤى بين وعود بالسلام وتهديدات بالحرب، برزت القضية الفلسطينية مجدداً إلى صدارة الاهتمام الدولي، بعد أن أقدمت غالبية دول العالم على الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولته، استناداً إلى ما يُسمى بحل الدولتين. خطوة اعتبرها البعض تحولاً تاريخياً، فيما رآها آخرون مجرد إعادة إنتاج لوهم قديم، يكرّس اغتصاب الأرض تحت غطاء الشرعية الدولية.
هذا المشهد الذي ظنّ البعض أنّه فتح نافذة أمل، سرعان ما اصطدم بجدار الواقع الدموي في غزة، حيث يتواصل القصف والتجويع والإبادة الممنهجة بحق شعب أعزل. وبين خطاب الدبلوماسية الرفيع وصرخات الأطفال تحت الركام، تتكشف الهوّة العميقة بين النصوص والقرارات من جهة، والحقيقة المرة على الأرض من جهة أخرى.
خطاب ترامب: بيان من الخيال لا من الواقع
في المؤتمر الأممي، ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطابًا حمل في طياته الكثير من التناقضات والخيالات السياسية. فقد صوّر العالم وكأنه على أعتاب "سلام تاريخي"، متحدثًا عن نهاية الحروب الكبرى في الشرق الأوسط، وعن "صفقة شاملة للسلام" ستضمن الأمن للطرفين وتفتح أبواب الازدهار الاقتصادي. استخدم ترامب لغة تصويرية قوية، تحدث عن "شرق أوسط مزدهر ينعم بالاستقرار"، وعن "فرص اقتصادية غير مسبوقة ستجعل المنطقة نموذجًا للتقدم والتعاون الدولي".
إلا أنّ هذه التصورات لم تكن سوى لوحات من نسج الخيال السياسي. فقد تجاهل ترامب تمامًا واقع الدماء في غزة، المجازر اليومية، القصف الذي يحوّل الأحياء إلى أطلال، الحصار الذي يفتك بالأطفال قبل الكبار، وتدمير المستشفيات والبنية التحتية الحيوية. كما غاب عن خطابه أي إشارة إلى أنّ "حل الدولتين" الذي يقدمه ليس سوى محاولة لتكريس وجود كيان غاصب على أرض فلسطين، ومنح الشرعية لاحتلال هو في جوهره جريمة تاريخية موصوفة.
لقد بدا خطاب ترامب وكأنه إعلان من عالم افتراضي، حيث يصف السلام بينما الأرض لا تزال تتعرض للدمار، ويستعرض الفرص الاقتصادية بينما البشر يموتون جوعًا تحت الركام. هذا البيان يعكس انفصالًا صارخًا بين القول والفعل، وبين الكلمات المترفة في نيويورك وصرخات الحق الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.
موقف تركيا والرئيس أردوغان: شغف ورجولة في الدفاع عن الحق الفلسطيني
في المقابل، كان موقف تركيا والرئيس رجب طيب أردوغان واضحًا وقويًا، يعكس شغفاً حقيقيًا ودعماً صريحاً للحق الفلسطيني. فقد أكّد أردوغان أن ما يجري في غزة ليس مجرد صراع إقليمي، بل قضية وجود وكرامة للأمة بأسرها، داعياً المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته وإنهاء الاحتلال فوراً.
تحدث الرئيس التركي عن وحدة الموقف الإسلامي والعربي تجاه فلسطين، وعن ضرورة حماية المدنيين ودعم صمودهم في مواجهة العدوان، مؤكدًا أنّ تركيا ستستمر في تقديم كل أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والإنساني، من دون مساومة على الحقوق التاريخية للفلسطينيين. هذه المواقف تعكس رجولة سياسية نادرة، حيث يوازن أردوغان بين ممارسة النفوذ الإقليمي والدفاع عن قضية محقة، بما يمنح الأمل للشعب الفلسطيني بأن هناك من يرفع صوته عالياً في المحافل الدولية دفاعًا عن الحق.
فلسطين بين الاعتراف الأممي وجرح غزة النازف
لا شك أنّ اعتراف معظم دول العالم بدولة فلسطين يشكّل من حيث الشكل خطوة ذات رمزية، لكنه يبقى ناقصاً ومبتوراً إذا لم يقترن بوقف العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال. إنّ الخطر الحقيقي يكمن في تصوير هذا الاعتراف وكأنه "حل عادل"، بينما هو في جوهره إعادة إنتاج لرواية مضللة تعتبر الكيان الصهيوني شريكاً شرعياً على أرض ليست له. فلسطين دولة ذات سيادة ومكانة، وليست مشروعاً تفاوضياً قابلاً للمساومة.
في غزة اليوم تُكتب الحقيقة بدماء الأبرياء: صمود أسطوري في وجه آلة عسكرية جهنمية، وشعب يصرخ في وجه العالم أنّ الاعتراف لا قيمة له إن لم يوقف النزيف ويعيد الأرض والحقوق كاملة غير منقوصة.
التوازنات الدولية: بين الدعم والخذلان
في خضم هذه التطورات، لا يمكن تجاهل المواقف المتباينة للقوى الكبرى. الولايات المتحدة تواصل دعمها الأعمى للعدو الصهيوني، بينما أوروبا تتأرجح بين خطاب حقوقي متردد ومصالح استراتيجية تخشى التفريط بها. روسيا تطرح نفسها كقوة مضادة للهيمنة الغربية، داعمة للحقوق الفلسطينية في العلن، ساعية وراء أوراق نفوذ جديدة في المنطقة. الصين، من جانبها، تدعو إلى حلول سلمية شاملة، لكنها تترجم مواقفها بخطوات اقتصادية أكثر منها سياسية.
أما على الصعيد الإقليمي، فالموقف الخليجي يتسم بالحذر، مع تمسك بعض دوله بمبادرات السلام، فيما تحاول أخرى فتح قنوات سياسية وإنسانية لتخفيف مأساة غزة. تركيا توازن بين دورها كقوة إقليمية صاعدة ودعمها السياسي المعلن لفلسطين، فيما تواصل إيران خطابها المشتعل ضد الكيان الصهيوني، معتبرة أنّ معركة غزة جزء من معركة الأمة بأسرها. مصر، بدورها، تبقى لاعباً محورياً في الوساطة وفتح المعابر، لكنها تجد نفسها محاصرة بين ضروراتها الداخلية وضغوط المجتمع الدولي.
حل الدولتين: فخ الشرعية المزيفة
إنّ تصوير حل الدولتين وكأنه الحل العادل، ليس سوى فخ سياسي يراد منه إضفاء شرعية على كيان مغتصب. فالاعتراف الدولي بفلسطين وفق هذا الطرح يعني عملياً قبول بقاء الكيان الصهيوني كجزء من المعادلة، وكأنه صاحب حق أصيل في الأرض. وهنا يكمن الخطر الأكبر: أن يتحول الاعتراف إلى أداة لتكريس الاحتلال بدل إنهائه، وأن يصبح العالم شريكاً في الجريمة بدل أن يكون نصيراً للعدالة.
خاتمة: صرخة الحق في وجه التواطؤ
اليوم، تقف فلسطين مجدداً في قلب معادلة العالم: بين اعتراف أممي متجدد يُقدَّم على أنه انتصار دبلوماسي، وبين واقع فلسطيني دامٍ يصرخ بالحق ويكشف زيف الخطابات. ما قيمة الاعتراف إذا لم يُترجم إلى إنهاء الاحتلال؟ ما جدوى المؤتمرات إذا ظلّت غزة تحت النار والجوع والدمار؟
إنها لحظة تاريخية فاصلة، إما أن ينهض فيها العرب ومعهم أحرار العالم للدفاع عن فلسطين كقضية حق وعدل وكرامة إنسانية، أو أن يظلّوا أسرى خطاب دولي بارد يساوي بين الضحية والجلاد.
فلسطين ليست ملفاً دبلوماسياً بين ملفات، بل هي جوهر الصراع وامتحان الضمير الإنساني كله. وكل خطاب لا يسمّي الاحتلال باسمه ولا يواجه الكيان الصهيوني ككيان غاصب معتدٍ، ليس إلا مشاركة في الجريمة.








