-
℃ 11 تركيا
-
17 سبتمبر 2025
عمر محمد العرب يكتب: غزّة وحدها... في زمنٍ بلا نخوةٍ ولا رجولة
لقد سقط كلّ شيء.
عمر محمد العرب يكتب: غزّة وحدها... في زمنٍ بلا نخوةٍ ولا رجولة
-
27 يوليو 2025, 2:12:16 م
-
437
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
أيُّ عالمٍ هذا الذي يُبحر في مؤتمرات "السلام" بينما أطفال غزّة يُسحَلون على الأرصفة؟
أيُّ إنسانيّةٍ تلك التي تُزهَق فيها الأرواح، ولا تهتزّ لها شعرةٌ في جبين هيئةٍ أمميّة؟
أيُّ قانونٍ دوليٍّ تُكسَر عظامه تحت أنقاض بيوتٍ مدمّرة في دير البلح وخان يونس ورفح؟
أيُّ أخلاقٍ تلك التي يُذبَح في ظلّها شعبٌ بأكمله، دون أن يُرفَع إصبعُ احتجاجٍ واحدٍ من أولئك الذين يملؤون الأرض ضجيجًا بالشعارات الكاذبة؟
يا سادة، لقد سقط كلّ شيء.
سقطت الأمم المتحدة، وسقط معها مجلس أمنها وصكّ صمتها.
سقطت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وقد وقفت كالأعمى لا يرى، وكالأصمّ لا يسمع.
سقطت منظمة الصحّة العالمية، وقد مات ضميرها مع آخر شهيدٍ من طاقم إسعافٍ جُزّ رأسه تحت القصف.
سقطت منظمة العفو الدولية، التي لم تجرؤ على أن تنطق: "العدوّ الصهيونيّ مجرمُ حرب".
سقطت اليونيسف، وقد باتت تحصي أشلاء الأطفال كما تُحصى أرقام البضائع في مستودعٍ بارد.
وسقطت قبلهم كلّ القمم العربية، وكلّ القرارات الهزيلة، وكلّ الخطب الخشبية التي لا تسمن ولا تغني من دم.
سقط الجميع... وبقي الدم.
هذه ليست حربًا. هذه إبادة.
منذ السابع من تشرين الأول عام ألفين وثلاثة وعشرين، لم تُطلق النيران على "مقاومين" فحسب، بل على الحياة نفسها.
منذ أحد وعشرين شهرًا، تُرتكب في غزّة أشنعُ جريمة تطهيرٍ عرقيٍّ في القرن الحادي والعشرين.
شعبٌ يُذبح أمام العالم، ولا أحد يحرّك ساكنًا.
أحياءٌ تمحى من الوجود، عائلات تُفنَى، أرحامٌ تُنسف، أرواحٌ تُخلَع من أجسادها تحت الركام... والعالم يتفرّج.
نعم... شريك. لا أحد بريء:
الولايات المتحدة؟ هي الراعي الرسميّ للمذبحة، تمدّ القاتل بالقنابل وتغطيه سياسيًّا.
أوروبا؟ تُموّل آلة الذبح، وتبكي على "ضحايا الطرفين" بدموع التماسيح.
روسيا؟ تصمت وتنتظر حصّتها من الخراب.
الصين؟ تراقب بحسابات السوق، لا بموازين الدم.
تركيا؟ تصرخ إعلاميًّا وتتحرّك دبلوماسيًّا، لكنها لا تكسر الخطوط الحمراء.
العرب؟ يا للأسى... صمتٌ مخجل، وخذلانٌ مقنَّع، وتطبيعٌ يتقدّم فوق جثث الأطفال.
خذلوها قبل أن تُذبَح.
خذلوها بالبيانات الفارغة.
خذلوها بالمساعدات المشروطة.
خذلوها بمنع الردّ، وبالتضييق على المقاومة، وبالحديث الوقح عن "تهدئة متبادلة".
خذلوها بالتطبيع، ثم بالتواطؤ، ثم بالصمت، ثم بالإنكار.
العدوّ الصهيوني لم يذبح غزّة وحده.
ذبحها كلُّ من صمت عن جريمةٍ موثّقة.
ذبحها كلُّ من تواطأ في التغطية الإعلاميّة.
ذبحها كلُّ من فتح الأجواء والسواحل والمعابر.
ذبحها كلُّ من سوّق لفكرة "المشكلة في غزّة" بدل القول الحق: "العدوّ هو المشكلة".
بل أين الجاليات؟ أين الشعوب؟ أين النُّخَب؟
أين الجاليات العربيّة في أوروبا وأميركا وكندا؟
أين الأحرار في المهجر؟
أين المهاجرون الذين ذاقوا طعم الكرامة في دساتير الغرب، ثمّ خذلوها عندما تعلّق الأمر بغزّة؟
أين المسيرات اليوميّة؟
أين الوقفات أمام البرلمانات؟
أين الهتافات في الساحات؟
أين الأعلام الفلسطينيّة على الشرفات؟
أين أطفالنا في الجامعات؟ أين الاتحادات؟ أين صوت المقهورين؟
ألا تستحقّ غزّة وقفةً؟
ألا يستحقّ الشهداء مظاهرةً تليق بدمائهم؟
ألا يحقّ لصورة طفلٍ محروق أن ترفع في وجه العالم؟
وأين الإعلام؟ أين الكلمة الحرّة؟
أين الإعلاميّون الذين ادّعَوا الدفاع عن الحقّ؟
أين الشاشات العربيّة الحرّة؟
أين المذيعون الذين ارتجف صوتهم يوم مات نجمٌ غربيّ، وصمتوا يوم قُطِّعت أجساد أطفال غزّة؟
أين الكتّاب؟ أين الشعراء؟ أين المفكّرون؟
أين أدباء العالم؟ أين حَمَلَة نوبل للسلام؟
هل تبلّدت أقلامكم؟ أم خشيتم فقدان التمويل؟ أم خنقتكم شروط الرقابة؟
أين القصيدة؟ أين المقال؟ أين المسرح؟ أين الرواية؟ أم أنّ دماء غزّة لا تصلح مادةً للأدب؟
الشعوب لا تُعفى.
من صمت، شارك.
من تردّد، خان.
من لم يتحرّك، تواطأ.
غزّة لا تحتاج خبزًا.
غزّة تحتاج موقفًا، صرخةً، شارعًا، وأصواتًا لا تخاف.
غزّة اليوم تصرخ، ولكنها لا تستجدي أحدًا.
غزّة ليست ضحيّةً تبحث عن شفقة.
إنّها أمُّ الثورة، رغم الجوع، رغم الحصار، رغم الذبح.
إنّها آخر قلاع الكرامة في زمن السقوط الجماعي.
إنّ ما يجري ليس "نزاعًا"، بل اختبار إلهيّ:
من وقف مع غزّة، فقد ثبت في جبهة الشرف.
ومن خذلها، فقد انحاز إلى معسكر الذبح، ولو بصمته.
صرخة أخيرة
غزّة لا تحتمل مزيدًا من البيانات.
غزّة لا تنتظر مؤتمرات.
غزّة تريد شعوبًا تثور،
جاليات تتحرّك،
إعلامًا يصرخ،
ومفكّرين لا يخافون من الحظر والمنع والمقاطعة.
غزّة لا تُريد "ثوارًا خلف الشاشات"،
بل رجالًا في الميادين،
ونساءً تصرخن في وجه العالم،
وشعوبًا تقول: كفى موتًا، كفى خيانة، كفى صمتًا.
وإلّا...
فكلُّ من يصمت اليوم، لن يستطيع غسل يديه من دم الأبرياء.
فالتاريخ لا ينسى.
ولا الله.









