-
℃ 11 تركيا
-
27 أغسطس 2025
عائلة أبو زبيدة.. مجازر متكررة تلاحق بيتاً يُستهدف مرة بعد أخرى
عائلة أبو زبيدة.. مجازر متكررة تلاحق بيتاً يُستهدف مرة بعد أخرى
-
26 أغسطس 2025, 11:23:43 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
د. رامي أبو زبيدة، رئيس تحرير موقع "180 تحقيقات"، والباحث في الشأن الأمني والعسكري
متابعة: عمرو المصري
يتقدّم فريق عمل الموقع بأحرّ التعازي والمواساة إلى الدكتور رامي أبو زبيدة، الباحث العسكري والأمني ورئيس تحرير موقع “180 تحقيقات”، وإلى عائلته المنكوبة التي قدّمت قوافل من الشهداء في جرائم إبادة متواصلة. نحتسب شهداء العائلة عند الله، ونسأل أن يتقبّلهم في عليين، وأن يلهم ذويهم الصبر والثبات.
الفاجعة الأخيرة
لا تمضي دقائق في غزة حتى يدوي خبر جديد عن مجزرة ارتكبها الاحتلال. وفجر اليوم، ارتكب العدو مجزرة جديدة استهدفت منزل عائلة أبو زبيدة، في مخيم البريج وسط قطاع غزة.
أعاد فتح جراح عائلة أبو زبيدة النازفة. ففي قصف دموي على بيت العائلة، ارتقت أمّ الدكتور رامي، وأخوه محمد وزوجته، وشقيقتاه ليلى وإسلام، إلى جانب طفليها جاد وجود. لحظة واحدة كانت كافية لتمحو بيتًا كاملًا من السجل المدني، وتترك خلفها بيوتًا مهدّمة بالذكريات، وأجسادًا مثخنة بالجراح، ونفوسًا تصارع الحزن والبقاء.
هذا المشهد لم يكن سوى حلقة جديدة في سلسلة إبادة متعمدة تستهدف كل ما له صلة بالحياة في غزة. فالعائلة التي صارت عنوانًا للصبر، تلقّت الضربة الأخيرة في وقت كان أفرادها يحاولون لملمة بقايا أرواحهم بعد فقدان لا ينتهي. ومع كل اسم يُضاف إلى قائمة الشهداء، يتضح أن الاحتلال لا يكتفي بقتل الفرد، بل يصرّ على محو العائلة، وتدمير إرثها العاطفي والإنساني.
في هذا الاستهداف، لم تكن الطائرات الصهيونية تقتل أجسادًا فحسب، بل كانت تسعى إلى اغتيال المعنى نفسه: معنى الأمومة، معنى الأخوّة، معنى البيت. لكنّ دماء الشهداء سرعان ما تحوّلت إلى صرخة تفضح وحشية الإبادة، وتؤكد أن الرواية الفلسطينية لا يمكن أن تُمحى مهما تكررت الفواجع.
استشهاد إياد
قبل أسابيع قليلة فقط، كان البيت يبكي شقيقًا آخر، هو إياد أبو زبيدة، الذي ارتقى متأثرًا بجراح بالغة أصيب بها خلال العدوان المستمر على غزة. حاول جسده أن يصمد، أجرى عمليات جراحية، قاوم الألم، تمسّك بالحياة حتى الرمق الأخير، لكنه لم ينجُ. رحل إياد كما عاش، صلبًا، مرفوع الرأس، تاركًا وراءه أبناءً فقدوا أباهم، وذكريات تقطر بالدمع والفخر.
استشهاد إياد لم يكن حدثًا فرديًا، بل هو مرآة لمأساة كبرى يعيشها قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023. آلاف النساء والأطفال، عشرات الآلاف من الجرحى، آلاف البيوت المهدمة. كل رقم في هذه الحرب يحمل وجهًا، ويحمل قصة، وإياد كان إحدى تلك القصص التي حاول الاحتلال أن يطويها بالقصف، لكنه لم يستطع أن يمحوها من وجدان أهله وشعبه.
العائلة لم تستفق من فقد إياد حتى أُجبرت على مواجهة كابوس جديد، كأن الزمن في غزة يتوقف بين جنازة وأخرى، وكأن قدر هذه الأرض أن تعيش بين عدّاد الشهداء وأزيز الطائرات.
بيت أبو جلد
منذ البدايات، كان القصف يطارد عائلة أبو زبيدة وأصهارها بيتًا تلو آخر. أولى الضربات أصابت بيت الحاج سمير أبو جلد، عمّ زوجة الدكتور رامي. في تلك المجزرة، استشهد هو وزوجته وبناته الأربع وأحفاده، بينما أُصيب ابنه محمد إصابة بالغة، ليمكث في المستشفى طويلًا، تحرسه بعاطفة نادرة الممرضة روان، زوجته وابنة أخي رامي. كانت تلازمه ليلًا ونهارًا، حتى خطفها القصف في استهداف لاحق مع شقيقتها جنات وأخيها أحمد ياسين.
ومع وقف إطلاق النار، حاول محمد أن ينهض من تحت الركام، فارتبط بابنة أخي د. رامي الأخرى، روينا، في زواج كان بمثابة بوصلة نحو الحياة. لكنه لم يهنأ طويلًا. سرعان ما عاد القصف ليستهدف بيت أبو جلد مرة أخرى، فيقتل محمد وزوجته روينا، ومعهما أشقاءه حسين وهبة. عائلة كاملة مُسحت، أسماء محتها الصواريخ من السجل المدني لكنها سُطرت في سفر الشهداء.
هذه السلسلة من الفواجع لا تبدو صدفة، بل مخططًا لإبادة ممتدة، تُطارد العائلة في كل مكان، في محاولة يائسة لتفريغ غزة من ناسها وأحلامها. ومع ذلك، يبقى ما لا يفهمه العدو: أن كل شهيد يولد معه ألف معنى للصمود، وأن دماء عائلة أبو زبيدة وأبو جلد تسيل لتكتب فصولًا جديدة في كتاب البقاء الفلسطيني.
صمود د. رامي
وسط هذا النزيف، يطلّ صوت الدكتور رامي أبو زبيدة، الأسير المحرر، رئيس تحرير "180 تحقيقات". يكتب من قلب الألم، وهو الذي خرج من سجون الاحتلال مثخنًا بالتعذيب، فاقدًا أربعين كيلوغرامًا من وزنه، شاهدًا حيًا على وحشية لا حد لها. يوميًا كان يتعرض للضرب، للصعق بالكهرباء، للشبح على الجدار، للحرمان من الطعام والصلاة. خرج من المعتقل لكنه لم يخرج من دائرة الألم، إذ وجد أن بيته صار أطلالًا، وأن أحبّته صاروا في عداد الشهداء.
ومع ذلك، لا يتحدث د. رامي بلغة الهزيمة. بل بلغة الصمود. يربط بين عذاب السجن ومجازر غزة، ليؤكد أن الاحتلال الذي لم يفلح في كسر الأسرى، لن يفلح في كسر شعبٍ بأسره. رسالته واضحة: القيد ينكسر، الجراح تُشفى أو تبقى شاهدًا، لكن إرادة الحياة أقوى من كل آلة حرب.
بهذا الصوت، ومع دماء الشهداء، تتجدد الحقيقة التي يحاول العالم تجاهلها: أن غزة ليست مجرد جغرافيا تُقصف، بل هي شعب حيّ يكتب بدمه تاريخًا لا يُمحى.
عائلة أبو زبيدة.. نموذج للإبادة الممنهجة
إنّ ما تتعرض له عائلة أبو زبيدة ليس مجرد سلسلة حوادث منفصلة، بل هو نموذج صارخ لسياسة الإبادة التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني بأسره. كل بيت يُستهدف، كل عائلة تُباد، هو جزء من مخطط لإفراغ غزة من أهلها، وتحويلها إلى أرضٍ بلا شعب. لكن هذه الجرائم، مهما بلغت وحشيتها، لن تقتل الذاكرة، ولن تقتلع الجذور، ولن تُطفئ جذوة الإيمان بحق الفلسطينيين في الحياة والحرية.
المجتمع الدولي، الذي يرفع شعارات حقوق الإنسان، يقف صامتًا أمام مجازر تُبث على الهواء مباشرة. بل إن بعض الدول تدعم القاتل بالمال والسلاح والغطاء السياسي. هذه الازدواجية ليست عارًا على الحكومات وحدها، بل جريمة مشتركة يتحمل وزرها كل من سمح باستمرار هذه الإبادة.
عائلة أبو زبيدة قدّمت شهداءها، كما قدّمت غزة آلاف الشهداء. ومع كل جنازة، يولد معنى جديد للصمود، ويثبت الفلسطينيون مرة أخرى أن الحق لا يُمحى بالقصف، وأن الدماء الزكية تصنع طريق الحرية، مهما طال الليل.
.jpg)









