-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا: الأبعاد والدلالات السياسية والاقتصادية
رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا: الأبعاد والدلالات السياسية والاقتصادية
-
14 مايو 2025, 9:38:14 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في إعلان مفاجئ من العاصمة السعودية الرياض، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة وصفها البعض بأنها نقطة تحول حاسمة في المشهد السياسي الإقليمي والدولي، بينما رآها آخرون بوابة لعودة تدريجية لنظام جديد إلى الحظيرة الدولية بعد سنوات من العزلة. الإعلان ترافق مع تأكيد على لقاء مرتقب بين ترامب والرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، ما يعطي هذه الخطوة أبعادًا تتجاوز الجانب الاقتصادي، لتطال الحسابات الاستراتيجية والتحالفات الإقليمية.
ما طبيعة العقوبات المرفوعة؟
العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا كانت ممتدة لعدة عقود، وبدأت فعليًا عام 1979 حين أُدرجت سوريا في قائمة "الدول الراعية للإرهاب"، ما ترتب عليه حظر بيع السلاح وقيود مالية مشددة، شملت المساعدات الخارجية وتعاملات النظام المالي. وفي عام 2004، تم تشديد هذه العقوبات بإضافة قيود على تصدير السلاح، وتقييد العلاقات الاقتصادية مع واشنطن.
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، وما أعقبها من حملة قمع دموية ضد المحتجين المدنيين، فرضت الولايات المتحدة عقوبات أكثر شمولًا، استهدفت الأفراد المرتبطين بالنظام، وجمّدت أصول الحكومة السورية في الخارج، ومنعت الاستثمارات الأمريكية في سوريا، وقيّدت استيراد المشتقات النفطية. كذلك، صنّفت واشنطن "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية، وأعلنت مكافأة مالية قدرها 10 ملايين دولار للقبض على أحمد الشرع، الذي كان يقود التنظيم قبل تفكيكه وسقوط نظام الأسد.
ما الذي تغيّر اليوم؟
رفع العقوبات جاء بعد سلسلة من التحولات السياسية في سوريا والمنطقة. فمنذ أن تولى أحمد الشرع رئاسة سوريا عقب الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر، بدأ في إعادة تقديم نفسه للعالم كزعيم معتدل، راغب في طي صفحة الماضي. فقد أزالت الولايات المتحدة مكافأة القبض عليه، وسمح له بالسفر ولقاء قادة دوليين، من بينهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي.
الشرع حرص على الترويج لحكومته كجهة مستعدة للتعاون في "مكافحة الإرهاب"، والتأكيد على احترام حقوق الأقليات، في محاولة واضحة لتجاوز تركة الانتهاكات المرتبطة بنظام الأسد. كما أفادت وكالة رويترز بأن دمشق بعثت برسائل غير مباشرة لواشنطن تفيد بأنها ليست تهديدًا، بل شريك محتمل، حتى أنها تحدثت عن محادثات غير مباشرة مع إسرائيل لخفض التوتر، رغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ سورية.
لقاء ترامب والشرع: كسر للعزلة وإعادة التموضع
إلى جانب رفع العقوبات، يُنتظر أن يلتقي ترامب بالرئيس السوري الجديد في الرياض، في مشهد رمزي يحمل دلالات استراتيجية كبيرة. هذا اللقاء بمثابة إعلان صريح لانتهاء مرحلة "الشيطنة" الغربية لسوريا، وإشارة قوية إلى أن النظام الجديد بات مقبولًا أمريكيًا، وربما إقليميًا أيضًا.
اللقاء يحمل رسالة للخصوم والحلفاء على حد سواء، مفادها أن واشنطن على استعداد لفتح صفحة جديدة مع حكومات ما بعد الثورات والنزاعات، إذا أبدت هذه الحكومات استعدادًا للتعاون الأمني والاقتصادي، خاصة في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة بقيادة محور الرياض-أبوظبي-أنقرة.
التوقيت السياسي لرفع العقوبات: حسابات أمريكية داخلية وخارجية
توقيت القرار لم يكن عشوائيًا، بل جاء بعد تنسيق واضح مع قادة المنطقة، وخصوصًا محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذين يلعبون أدوارًا متقدمة في صياغة ملامح الترتيبات الإقليمية الجديدة. ترامب ألمح إلى ذلك مازحًا بقوله: "أوه، ما أفعله من أجل ولي العهد!"، ما يشير إلى أن القرار لم يكن نتيجة ضغوط داخلية، بل نتيجة حسابات استراتيجية ترى في النظام السوري الجديد فرصة لموازنة النفوذ الإيراني والروسي، ولبناء تحالفات أمنية واقتصادية جديدة في المنطقة.
المحلل السياسي عمر رحمن، من مجلس شؤون الشرق الأوسط، أشار في حديثه لقناة الجزيرة إلى أن العلاقات الوثيقة بين واشنطن من جهة، والرياض والدوحة وأبوظبي من جهة أخرى، لعبت دورًا أساسيًا في تمرير هذا القرار، مؤكدًا أن ترامب لم يحتج لموافقة الكونغرس، بل مضى في قراره منفردًا.
هل سيتدفق الاستثمار نحو سوريا؟
اقتصاديًا، يشكل رفع العقوبات نقطة تحول رئيسية للنظام السوري الجديد، إذ أن العقوبات كانت تشكل عائقًا كبيرًا أمام أي محاولة لإعادة الإعمار أو تحسين مستويات المعيشة في بلد يعاني من نسب بطالة وفقر مرتفعة، وانقطاعات مزمنة في الكهرباء، ودمار هائل في البنية التحتية.
بما أن النظام المالي العالمي يتأثر بشدة بالموقف الأمريكي، فإن قرار رفع العقوبات يعد إشارة للعالم بإمكانية الاستثمار في سوريا، ولو بحذر. وفي حين من غير المؤكد أن الولايات المتحدة نفسها ستضخ استثمارات مباشرة، فإن من المرجح أن تتدفق رؤوس أموال من دول عربية وتركيا.
يقول عمر رحمن: "رفع العقوبات يزيل عقبة رئيسية أمام قدرة سوريا على تحقيق أي نوع من التنمية الاقتصادية"، لكنه يستدرك محذرًا من أن التحديات لا تزال كثيرة، ومنها الانقسام الداخلي، والدمار واسع النطاق، وقضايا العدالة الانتقالية.
استثمار سياسي أم تحول استراتيجي؟
رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا واللقاء المرتقب بين ترامب والشرع ليسا مجرد حدثين معزولين، بل يعكسان تحولات أعمق في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، حيث باتت البراغماتية تتقدم على الشعارات، والتنسيق مع حلفاء إقليميين بات أولوية على حساب المواقف العقائدية السابقة.
يبقى السؤال: هل هذه الخطوة تمثل استثمارًا سياسيًا قصير الأجل من قبل إدارة ترامب؟ أم أنها إشارة إلى تحول استراتيجي طويل الأمد في مقاربة واشنطن للمنطقة، حيث يُكافأ من يُظهر واقعية ومرونة، ولو كان ماضيه ملطخًا بالتطرف والصراع؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.







