-
℃ 11 تركيا
-
24 سبتمبر 2025
حلم "النهج الأوروبي" يتلاشى أمام صعود اليمين وتحديات ترامب
حلم "النهج الأوروبي" يتلاشى أمام صعود اليمين وتحديات ترامب
-
24 سبتمبر 2025, 2:54:36 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
في مقال مشترك بصحيفة الجارديان للكاتبين ثو نغوين ويانيك يانسن، أُشير إلى أن الرؤية التي بشرت بها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عام 2019 عن "النهج الأوروبي" تتفكك شيئًا فشيئًا. فقد أدى انحناء القادة الأوروبيين لمطالب اليمين المتطرف في الداخل إلى إضعاف موقف أوروبا في مواجهة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الخارج. ما يُسوَّق اليوم كـ"براغماتية" مع واشنطن بدا في نظر الكثيرين استسلامًا غير متكافئ، إذ تحوّل الإطراء على اتفاق تجاري غير متوازن إلى انعكاس واضح لاعتلال أعمق في منظومة القيم الأوروبية.
ملف الهجرة في قلب الأزمة
الكاتبان أوضحا أن قضية الهجرة تحولت إلى مرآة لهذا الانحدار، حيث يُؤطَّر المهاجرون بوصفهم تهديدًا أمنيًا وديمغرافيًا. باتت أوروبا تتسامح مع عمليات صدّ غير قانونية للاجئين، وتفرض عراقيل على عمل منظمات الإنقاذ البحري، فيما تُبرم اتفاقات مع دول تنتهك حقوق الإنسان لنقل المسؤولية بعيدًا عن أراضيها. هذه السياسات لا تعكس فقط تخليًا عن المبادئ، بل تهدد بشكل مباشر منظومة شنغن وتضعها على حافة التفريغ من مضمونها.
المناخ تحت مقصلة التنازلات
الأمر نفسه يطال الطموح المناخي الأوروبي. "الصفقة الخضراء" التي قُدمت كأحد أهم مشاريع الاتحاد يتم اليوم تمييعها وتأجيلها تحت ضغط سردية تصور المناخ عبئًا على المزارعين والطبقات الوسطى. الأحزاب اليمينية وبعض أطراف يمين الوسط باتت تنجرف وراء هذا الخطاب الشعبوي بدلًا من فتح نقاش ديمقراطي جاد حول المسار الأمثل لمواجهة أزمة المناخ، مما يضع أوروبا أمام خطر التخلي عن ريادتها في هذا المجال.
وهم الواقعية السياسية
التنازلات الأوروبية تُقدَّم دائمًا بغطاء "الواقعية". فالخضوع لترامب يُسوَّق على أنه "شراء للوقت"، وتشديد سياسات الهجرة يُبرَّر بأنه "إرادة الشعوب"، وتأجيل الالتزامات المناخية يُعرض باعتباره ضرورة بانتظار أن "يلحق" النمو والابتكار. غير أن الكاتبين يشددان على أن كل تنازل يرسّخ ما كان يُعد سابقًا متطرفًا، ويقوض أسس الديمقراطية وسيادة القانون عبر القارة.
أزمة قيم تتوسع
الأزمة لم تعد محصورة في دول معينة كالمجر أو بولندا، بل امتدت إلى نزعات متزايدة داخل الاتحاد لمحاصرة التظاهرات الشعبية، والتشكيك في استقلال القضاء، وإطلاق حملات لتجريد المنظمات غير الحكومية من الشرعية، بل حتى طرح دعوات لإعادة تفسير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان بما يتيح تجاوزها. هذه المؤشرات كلها تدل على أن ما يُعرض كاستثناء أصبح قاعدة متنامية تهدد الجوهر القيمي للاتحاد.
غزة كاختبار صارخ
أبرز الأمثلة على الانتقائية القيمية يظهر في الموقف الأوروبي من غزة. فقد أدى العجز عن اتخاذ إجراءات جادة تجاه انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي إلى إضعاف مصداقية الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية. وحتى التحركات المتأخرة كتجميد بعض أشكال الدعم أو اقتراح عقوبات لم تمحُ أثر عامين من الصمت والتردد، مما كشف حدود خطاب "القيم" الذي تلوح به بروكسل.
الخلاصة والتحذير
يخلص الكاتبان إلى أن القيم ليست رفاهية يمكن تأجيلها تحت الضغط، بل هي ضرورة استراتيجية لمواجهة الاستبداد في الداخل وصياغة نظام دولي قائم على القواعد في الخارج. إن استمرار القادة الأوروبيين في الصمت بانتظار تلاشي ترامب يعني التخلي عن الوكالة السياسية وترك المجال مفتوحًا أمام اليمين المتطرف. وبحسبهما، فإن مسايرة اليمين المتطرف لا تحيّده، بل تمنحه شرعية متزايدة. المطلوب اليوم أن تدافع أوروبا عن التعددية وسيادة القانون والمجتمعات المفتوحة والعمل المناخي قولًا وفعلًا، وإلا فإن "النهج الأوروبي" الذي بُشر به قبل أعوام سيفقد معناه بالكامل.










