د. محمد خليل مصلح: نتنياهو عالق في كل الجبهات ويبحث عن طوق نجاة سياسي وقضائي بأي ثمن

profile
  • clock 30 يونيو 2025, 7:27:48 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عبدالرحمن كمال

قال د. محمد خليل مصلح، الكاتب والمحلل السياسي، إن "إشكالية بنيامين نتنياهو الحقيقية أنه عالق في كل الجبهات، حتى الداخلية منها، ولذلك يبحث بيأس عن أي نصر مطلق يمكنه الاعتماد عليه لوقف الملاحقة القضائية ضده، وإغلاق ملف محاكمته تمامًا من دون أن يضطر إلى الاعتراف بالذنب أو طلب عفو عام في صورة مهينة ستلاحقه وتُمحى معها صورته وتاريخه السياسي".

وأضاف مصلح أن "نتنياهو يستعين بالحروب منذ سنوات، وها هو الآن يلجأ إلى تدخل ترامب الشخصي وتهديد القضاء الإسرائيلي نفسه كي يوقف محاكمته. الرجل فقد السيطرة بالكامل، وما يحركه هو الغريزة الحيوانية الممزوجة بآلة الكذب والمراوغة. وكل من حوله في الائتلاف اليميني المتطرف يعرفون هذه الحقيقة، لكنهم يرونه أداتهم المفضلة لتحقيق مشروعهم الديني المسياني المتطرف الذي يحكم الكيان الصهيوني".

وأوضح مصلح أن "نتنياهو مثل من يغوص في الوحل، كلما حاول إخراج قدمه غرست الأخرى أعمق في جبهة أخرى. خطته القائمة على ربط غزة بإيران واحدة من أخطائه الاستراتيجية الكبرى، لأن غزة اليوم تقاتل بطريقتها الخاصة، وعلى نهجها المستقل، وبقيادة ميدانية تفرض خطاها على السياسيين في أي مفاوضات مع الوسطاء، ولا يعنيها هذا الربط الزائف الذي يروّج له نتنياهو".

وأكد أن هذه "الرؤية الخبيثة" التي يحاول نتنياهو تسويقها، تقوم على إقناع الرأي العام الغربي بأن حركة حماس هي مجرد ذراع لإيران، كي يصور الحرب وكأنها جزء من الصراع الوجودي مع «إرهاب إيران»، ويُشرعن جرائم الاحتلال ويدفع العالم للقبول بها. وقال مصلح: "هذه مجرد دعاية رخيصة، تستهدف إحداث انقسام وصدام في الرأي العام الغربي، لتبرير الإبادة والدمار في غزة".

وأضاف المحلل السياسي أن "في النهاية، نتنياهو متعب. ترامب نفسه اعترف بأن إيران وإسرائيل خرجتا مرهقتين من المواجهة، وأن التدخل الأمريكي بات ضروريًا لإنهاء الحرب التي عجز نتنياهو عن إنهائها بشروطه. هذه هي الحقيقة التي يتهرب منها نتنياهو وهو يناور في الداخل والخارج".

ضغوط أمريكية واضحة

في هذا السياق، نقلت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش أبلغ القيادة السياسية بضرورة التوجه إلى إنهاء الحرب وتحديد الخطوات المقبلة. وذكرت أيضًا أن الجيش يرى خيارين: إما إخلاء جميع سكان شمال غزة نحو الجنوب، أو إنشاء مراكز توزيع في الشمال لسلب حماس سيطرتها على السكان.

وهذا يعكس حجم الإحراج داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية التي تدرك أن الأهداف المعلنة عن «سحق حماس» لم تتحقق، وهو ما أشار إليه د. مصلح في وصفه لنتنياهو بأنه عالق في كل جبهة وأن كل خطوة تغرقه أكثر في مستنقع غزة.

أرباح من الدمار

وما يزيد الصورة قتامة ما كشفته صحيفة «هآرتس» عن أن شركات مقاولات إسرائيلية تتعاون مع الجيش تحصل على نحو 1500 دولار عن كل منزل تدمره في قطاع غزة. هذه الأرقام تضع وجهًا ماديًا بشعًا للدمار، وتكشف – كما يرى مصلح – طبيعة هذا المشروع الاستعماري الذي لا يتورع عن تحويل الكارثة الإنسانية إلى فرصة للربح.

مفاوضات بلا تقدم

من جهة أخرى، قالت القناة 15 العبرية إن اجتماع المجلس الوزاري الأمني والسياسي المصغر (الكابينيت) انتهى دون اتخاذ أي قرار، مع إحاطة للوزراء بأن المفاوضات مع حماس لم تحقق أي تقدم ملموس. في المقابل، نقلت «يسرائيل هيوم» أن بعض الوزراء أبدوا تفاؤلًا بإمكانية التوصل إلى صفقة جزئية لإعادة الأسرى، رغم الموقف المتشدد لحماس.

ويشير هذا التخبط، بحسب مصلح، إلى افتقاد نتنياهو لأي استراتيجية حقيقية للخروج من الحرب، وإلى أنه يراهن على مجرد مناورات سياسية وإعلامية، بينما الواقع العسكري والأمني يفرض عليه حقائق لا يستطيع تغييرها.

خطاب متناقض

صحيفة «يديعوت أحرونوت» سلطت الضوء على تحول في خطاب نتنياهو نفسه، حيث للمرة الأولى منذ بداية الحرب أعلن مساء اليوم أن «تحرير الأسرى» صار أولوية أولى، وليس القضاء على حماس. لكنه اختار أيضًا كلمة «إنقاذ» بدلًا من «تحرير»، وامتنع عن استخدام مصطلح «صفقة»، في ما يبدو محاولة لتمهيد الرأي العام لفكرة تبادل الأسرى بدلًا من عملية عسكرية، وهو ما أكده د. مصلح عندما أشار إلى أن نتنياهو يناور ويكذب حتى على جمهوره، ويدرك أنه بحاجة إلى مخرج مشرف من الحرب التي لم يحقق فيها شيئًا.

نتنياهو تحدث أيضًا عن «فرص جديدة» ظهرت الآن بعد تراجع دعم إيران لحماس، وهي المقاربة ذاتها التي رصدها مصلح في تحليله، حين وصفها بالرؤية الخبيثة التي تحاول شيطنة إيران لجر الغرب إلى دعم الاحتلال في حربه.

ترامب والضغط الأمريكي

أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فواصل بدوره إرسال إشارات وتوقعات عن قرب التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة. كتب صباح اليوم على «تروث سوشيال» داعيًا إلى صفقة تعيد الأسرى، قائلاً: «أبرموا الصفقة في غزة، أعيدوا الأسرى!!!»، بعدما كان قد قال قبل أيام إنه يتوقع وقف إطلاق نار خلال الأسبوع المقبل.

مصادر إسرائيلية وصفت تصريحات نتنياهو الأخيرة بأنها "بادرة حسن نية تجاه ترامب"، مشيرة إلى أن نتنياهو لا يزال خلف الكواليس متشددًا ويرفض المرونة المطلوبة لإنجاز الصفقة. وفي الوقت نفسه، أكدت هذه المصادر أن ترامب يضغط باتجاه وقف الحرب، وهو ما يتقاطع مع ما ذكرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن خطة واشنطن للضغط على وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي لإنهاء الحرب في غزة.

واقع ميداني صعب

وفي الجبهة العسكرية، قالت «يسرائيل هيوم» إن النقاشات حول الحرب ستُستأنف غدًا الاثنين، وسط تأكيد الجيش للقيادة السياسية بأنه يسيطر على 75% من قطاع غزة. لكن بعض الوزراء اتهموا الجيش بأن معلوماته منقوصة، وأصروا على أن حماس لم تُهزم بعد، وأن لديها قيادة بارزة وقوات نظامية لا تزال قادرة على تنفيذ عمليات أمنية.

كما نقلت الصحيفة عن مسؤولين أن ديرمر سيبحث مع الأمريكيين ملف التطبيع مع سوريا، لكنهم أقروا بأن هذا المسار ليس قريبًا كما يبدو، في إشارة إلى أن الائتلاف الحاكم في إسرائيل لم يحقق أي اختراق استراتيجي كبير، سواء على صعيد إنهاء الحرب في غزة أو توسيع التطبيع الإقليمي.

جمود في المفاوضات

وفي الخلفية، لا تزال المفاوضات بين إسرائيل وحماس مستمرة من دون اختراق. فقد أبلغ الوزراء خلال اجتماع الكابينيت أن حماس لا تزال متمسكة بإنهاء الحرب كشرط لأي اتفاق، فيما تواصلت التصريحات الرسمية التي تتحدث عن «اتصالات مستمرة» و«أمل في تطورات قريبة» من دون أي تقدم فعلي، ما يعكس حالة من المراوحة التي تهدد بتحويل الحرب إلى استنزاف طويل.

في النهاية، يقول د. محمد خليل مصلح إن "نتنياهو متعب، ومحاصر من كل الجهات، يستغل أي أمل في صفقة أو تدخل أمريكي ليصور الأمر وكأنه انتصار شخصي، لكن الحقيقة أن إسرائيل لم تحقق شيئًا من أهدافها، وأنه شخصيًا يبحث عن طوق نجاة سياسي وقضائي بأي ثمن، حتى لو كان على حساب دماء غزة ومستقبل المنطقة بأسرها".

التعليقات (0)