اعتراض اتصالات إيرانية سرية عن نتائج استهداف المنشآت النووية.. اعرف التفاصيل

profile
  • clock 30 يونيو 2025, 7:54:17 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

ذكرت صحيفة واشنطن بوست يوم الأحد أنّ أجهزة الاستخبارات الأمريكية تمكنت من اعتراض اتصالات سرية جرت بين مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، كشفوا خلالها أن الضربات الأمريكية التي استهدفت منشآتهم النووية كانت "أقل تدميراً مما كان متوقعاً". وأوضحت الصحيفة، نقلاً عن أربعة مصادر مطلعة على هذه المعلومات الاستخباراتية، أنّ هذه الاعتراضات التي جُمعت باستخدام تقنيات استخبارات الإشارات، أظهرت مناقشات خاصة بين كبار المسؤولين في الحكومة الإيرانية حول السبب في أن الهجمات التي أمر بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم تحمل الطابع الشامل والمدمر الذي توقعوه، ما يشير إلى حجم الفجوة بين التهديدات المعلنة والنتائج الفعلية على الأرض.

وأشارت الصحيفة إلى أن فريقها تواصل مع مكتب مدير الاستخبارات الوطنية للحصول على تعليق رسمي حول فحوى هذه الاتصالات المعترضة، فجاء الرد على لسان مسؤول استخباراتي أمريكي رفيع بأن "الإيرانيين مخطئون"، مؤكداً أن جزءاً واحداً فقط من "استخبارات الإشارات" لا يمكن أن يقدم صورة استخباراتية كاملة ومتوازنة. وشدد المسؤول على أن "مكالمة هاتفية واحدة بين إيرانيين مجهولين لا تعادل تقييماً استخباراتياً شاملاً يعتمد على جمع وتحليل معلومات من مصادر وأساليب متنوعة"، وهو ما يعكس الحذر الأمريكي المعتاد في تفسير البيانات الاستخباراتية الأولية، وتجنب البناء عليها بشكل منفرد.

قدرات استخبارات الإشارات

لفتت واشنطن بوست إلى أنّ ما يُعرف بـ"استخبارات الإشارات" يمثل أداة أساسية وقوية في ترسانة التجسس الأمريكية، إذ يقوم على جمع المعلومات من المكالمات الهاتفية، والبريد الإلكتروني، وغيرها من أشكال الاتصالات الإلكترونية. ورغم قوتها، فإن لهذه الوسيلة "قيودها"، لأنها قد تفتقر أحياناً إلى السياق الأوسع للمحادثات التي يتم اعتراضها، ما يجعلها بحاجة إلى دمج وتحليل مع مصادر معلومات أخرى للحصول على صورة أكثر وضوحاً ودقة للأحداث. وهذه الإشارة إلى محدودية استخبارات الإشارات توضح أن الاستخبارات الأمريكية نفسها تتعامل مع هذه البيانات بقدر من التحفظ، خشية الوقوع في أخطاء تقديرية قد تترتب عليها قرارات كارثية، خاصة في الملفات شديدة الحساسية مثل البرنامج النووي الإيراني.

موجة التصعيد العسكري

وتأتي هذه التسريبات في سياق تصعيد عسكري بالغ الخطورة شهدته المنطقة في يونيو الجاري. ففي 13 من الشهر ذاته، شنت إسرائيل بدعم أمريكي واسع النطاق هجوماً عسكرياً دام 12 يوماً استهدف الأراضي الإيرانية، وضرب مواقع عسكرية ونووية ومنشآت مدنية، ونفذ عمليات اغتيال طالت قادة عسكريين وعلماء نوويين بارزين. وردّت إيران بقوة عبر هجمات صاروخية وبالستية، وطائرات مسيّرة استهدفت مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية، في رسالة واضحة بأنها لن تترك هذه الهجمات دون رد.

وبحلول 22 يونيو، أعلنت الولايات المتحدة تنفيذ ضربات على منشآت إيرانية وزعمت أنها "أنهت" برنامج إيران النووي، وهو ادعاء سارعت طهران إلى نفيه عملياً عبر قصف قاعدة "العديد" الأمريكية في قطر في تصعيد لافت للرسائل العسكرية المباشرة. ومع اشتداد المخاوف من انزلاق المواجهة إلى حرب إقليمية شاملة، أعلنت واشنطن في 24 يونيو اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين تل أبيب وطهران، ما وضع حداً مؤقتاً لجولة من أخطر جولات التصعيد العسكري بين الطرفين منذ عقود.

غموض الأضرار الحقيقية

رغم وقف إطلاق النار المعلن، لا تزال الأضرار الحقيقية التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية محل جدل وغموض كبير. اكتفى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بالتصريح بأن العدوان الإسرائيلي الأمريكي "لم يحقق أهدافه" من دون تقديم تفاصيل إضافية حول حجم الدمار الفعلي. في المقابل، تواصل إسرائيل والولايات المتحدة ادعاء أن الضربات نجحت في "تدمير" برنامج إيران النووي وتأخيره لسنوات، وهي رواية تواجه تشكيكاً متزايداً.

فقد كشفت تقارير مسربة من وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA) أن التقييمات الفعلية خلصت إلى أن الضربات الأمريكية ربما لم تؤخر برنامج إيران النووي سوى لبضعة أشهر فقط، وهو ما يقوّض الدعاية الإسرائيلية والأمريكية التي تروّج لانتصار حاسم واستراتيجي. هذه الهوة بين التصريحات السياسية والتقييمات الاستخباراتية تعكس بوضوح التحدي الذي تواجهه واشنطن وتل أبيب في إقناع الرأي العام العالمي بأن خيار القوة كان فعالاً، خاصة في ظل سجل طويل من المواجهات التي زادت من تصميم طهران على مواصلة برنامجها.

أبعاد سياسية أوسع

الخلاف بشأن حجم الضرر الذي لحق بقدرات إيران النووية يكتسب حساسية إضافية على ضوء الاتهامات الإسرائيلية والأمريكية المستمرة بأن طهران تسعى إلى إنتاج أسلحة نووية، وهي تهمة ترفضها إيران جملة وتفصيلاً، مؤكدة أن برنامجها مخصص للأغراض السلمية، مثل توليد الكهرباء والبحث العلمي.

ويبرز التناقض هنا في أن إسرائيل نفسها، التي تقود هذا الضغط الدولي على إيران، هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك ترسانة نووية كبيرة، وترفض إخضاع منشآتها لأي رقابة دولية أو التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. وفي الوقت ذاته، تواصل إسرائيل منذ عقود سياسة الاحتلال في فلسطين، وتسيطر على أراض سورية ولبنانية في انتهاك صارخ للقانون الدولي، ما يعقد الموقف الأخلاقي والدبلوماسي لأي محاولات لتصوير المواجهة مع إيران كصراع بين الخير والشر أو بين الشرعية الدولية وخروج عليها.

جدلية الردع والاستنزاف

في هذا السياق، يرى مراقبون أن جولة التصعيد الأخيرة أظهرت أن سياسة "الردع" التي تتبناها الولايات المتحدة وإسرائيل في مواجهة إيران لا تؤدي إلا إلى مزيد من الاستنزاف المتبادل. فكل ضربة عسكرية أو محاولة للضغط الاقتصادي والسياسي تقابلها طهران بأساليبها، سواء من خلال تطوير قدراتها الذاتية أو عبر شبكات حلفائها الإقليميين. وتُعد هذه الديناميكية واحدة من أخطر ملامح عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، لأنها تعني أن أي "نجاح" تكتيكي في إضعاف الخصم يحمل في طياته فرصة لجولة جديدة من التصعيد، في حلقة لا تنتهي من العنف والدمار والتوترات الإقليمية التي يدفع ثمنها المدنيون أولاً وأخيراً.

التعليقات (0)