-
℃ 11 تركيا
-
3 سبتمبر 2025
د.رعد هادي جبارة يكتب: حب المال مرض عضال في كل الأجيال
د.رعد هادي جبارة يكتب: حب المال مرض عضال في كل الأجيال
-
3 سبتمبر 2025, 4:53:24 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
د.رعد هادي جبارة يكتب: حب المال مرض عضال في كل الأجيال
خصوصية المفردة القرآنية 35
تمهيد:
يقول عز من قائل:
*{ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)}*
[سورة الفجر]
منذ أن يولد الإنسان نجده ميالاً للتملك والأستحواذ ، حتى الاشياء البسيطة كألعاب الطفولة أو على ما هو أعظم منها كصدر أمه (مصدر غذائه ) فلا يقبل أن يشاركه فيها طفل غيره .
وفي مقالنا السابق (خصوصيةالمفردةالقرآنية ٣٤) ركزنا على مفهوم [الخروج من عبوديةالمال الى عبودية الله ذي الجلال] ،وقد لقي البحث صدىً واسعاً وتجاوباً كبيراً في مختلف وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية وتصدّرَ منصات وسائل التواصل الاجتماعي و مواقع الإنترنت الرصينة.
تشخيص المشكلة:
وهنا نقول إن الاسلام يشخّص المشكلة ويعترف بوجودها تمهيداً لعلاجها ، ولا ينكرها البتة، فإنكار المشكلة لن يؤدي إلى حلها.
ولهذا نجد القرآن يقول: { وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)} أي كثيراً،
ويقول في آية أخرى:
{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8] والخير هنا یعني المال و الملك وهو ما فسرته آية أخرى تقول *(إن ترك "خيراً" الوصية)* أي إن
تَركَ أموالاً و ممتلكات.و هذه قضية طبيعية وجزء من الفطرة البشرية.
ضبط حب المال
لكن حب المال يجب أن يكون مؤطّراً ضمن اولويات أهم وقيم أسمى و أمور أخرى، من بينها: حبّ الله ورسوله والجهاد في سبيله، بحيث يكون في رتبة أدنى ودرجة أقل من هذه القيم و المقدسات:
قال تعالی:
{قُلْ إِن كَانَ
آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ
وَإِخْوَانُكُمْ
وَأَزْوَاجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ
"وَأَمْوَالٌ" اقْتَرَفْتُمُوهَا
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا
وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا
أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ
وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}*
(التوبة:24)
الآثار الإجتماعیة
والمجتمع الذي يبتلى بطاغية أو ثري يكتنز الاموال و يسيطر على المقدرات و يستحوذ على أكبر قدر من الممتلكات ويحرم الناس منها لا يكتب له التطور الاقتصادي
والازدهار الدنيوي
والفلاح الأخروي،
وتجد الناس ناقمين -دائما- على الحاكم الناهب المتنمّر أو الثري الفاحش المحتكر ويتمنون زوال نعمته.
بيد أن بعض البسطاء و الجهّال ربما يتملّكهم الاعجاب بثروته وأمواله ، وقد يتمنّون لو كانت لهم أموال ضخمة مثلها!! غافلين عن عاقبته السوداء؛ الدنيوية والأخروية أيضاً:
يقول الباري جل جلاله:
{۞ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80)
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ (81)
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) } [القصص:76-83]
في الروايات: ولو ألقينا نظرة على ما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة وروايات أهل البيت ع لرأينا من ذلك عجباً:
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :
"ما ذئبان أُرسِلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه"
[أنظر:السيوطي في "الجامع الصغير" و الدارمي (٣/ ١٧٩٥) (٢٧٧٢) وصحيح الترمذي].
وقال أمير المؤمنين علي (ع):
الفتن ثلاث:
■حبّ النساء وهو سيف الشيطان،
■وشرب الخمر وهو فخّ الشيطان،
■وحبّ الدينار والدرهم وهو سهم الشيطان.
#فمن أحبّ النساء لم ينتفع بعيشه،
#ومن أحبّ الأشربة (المحرمة) حرّمت عليه الجنّة،
#ومن أحبّ الدينار والدرهم فهو عبد الدنيا.
(الخصال نقلا عن بحار الأنوار: ج٧٠، ص١٤۰)
قال الرضا (ع):
لا يجتمع المال إلّا بخصال خمس:
#ببخل شديد
#وأمل طويل
#وحرص غالب
#وقطيعة الرحم
#وإيثارالدنياعلى الآخرة.
[الخصال، وعيون أخبار الرضا(ع)نقلا عن بحار الأنوار:ج٧٠ ص١٣٨]
خاتمة طريفة:
قال الصادق (ع):
إنّ عيسى بن مريم (ع) توجّه في بعض حوائجه ومعه ثلاثة نفر من أصحابه، فمرّ بلبنات من ذهب على ظهر الطريق، فقال (ع) لأصحابه: [إنّ هذا يقتل الناس] ثمّ مضى،
فقال أحدهم: (إنّ لي حاجة) فانصرف،
ثمّ قال الآخر: (لي حاجة) فانصرف،
ثمّ قال الآخر: (لي حاجة) فانصرف،
فوافوا عند الذهب ثلاثتهم، فقال اثنان لواحد: اشترِ لنا طعاماً، فذهب يشتري لهما طعاماً، فجعل فيه سمّاً ليقتلهما كيلا يشاركاه في الذهب،
وقال الاثنان: إذا جاء قتلناه كي لا يشاركنا، فلمّا جاء قاما إليه فقتلاه ثمّ تغدّيا فماتا،
فرجع إليهم عيسى (ع) وهم موتى حوله، فأحياهم بإذن الله (عزّ وجلّ) وقال: أ لم أقل لكم: إنّ هذا يقتل الناس؟!!]
(روضة الواعظين نقلا عن بحار الأنوار: ج٧٠، ص١٤٣-١٤٤)
الخلاصة
وهكذا يظلّ حب المال، كالمرض العضال، على مرّ الأجيال،إن تجاوز حده يفتك بالأمم والأفراد ويقطّع الأوصال .






