-
℃ 11 تركيا
-
14 سبتمبر 2025
د.رامي أبو زبيدة يكتب: الاستهداف الإسرائيلي في الدوحة: مغزى العملية وتداعياتها
د.رامي أبو زبيدة يكتب: الاستهداف الإسرائيلي في الدوحة: مغزى العملية وتداعياتها
-
12 سبتمبر 2025, 5:47:41 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
د.رامي أبو زبيدة يكتب: الاستهداف الإسرائيلي في الدوحة: مغزى العملية وتداعياتها
يُعَدّ الهجوم الإسرائيلي على مقر قيادة حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة لحظة فارقة في مسار الحرب الراهنة، بل إنه، من منظور خليجي، لا يقل خطورة عن استهداف منشآت أرامكو عام 2019، بل قد يفوقه سياسيًا وأمنيًا.
فالاحتلال تعمّد الإعلان الرسمي عن العملية، ليثبّت معادلة تقول بوضوح: إسرائيل قادرة على الوصول إلى أي مكان، حتى لو كان ذلك في دولة ترتبط بعلاقات وثيقة مع واشنطن وتُعد وسيطًا رئيسيًا في ملفات الإقليم.
أولًا: خلفيات ودوافع الاستهداف
التحليلات الإسرائيلية قدّمت أكثر من قراءة للدافع والتوقيت، يمكن تلخيصها في ثلاث محاور رئيسية:
1. محاولة كسر تشدد المفاوضين:
رون بن يشاي (يديعوت) اعتبر أن استهداف خليل الحية وزاهر جبارين جاء بهدف إضعاف الموقف المتشدد لحماس في مفاوضات الرهائن، وفتح المجال للتعامل مع قيادات ميدانية مثل عز الدين حداد، التي تُظهر استعدادًا للتنازل.
تعقيب: هذا التصور يعكس رغبة الاحتلال في إعادة هندسة هرم القرار داخل حماس عبر الضربات العسكرية، وهو تصور أثبت فشله تاريخيًا؛ فالمقاومة الفلسطينية خبرت محاولات "قطع الرؤوس" منذ عقود دون أن تفقد تماسكها.
2. إظهار الردع وكسر "الحصانات":
يوآف ليمور (إسرائيل اليوم) ركّز على البُعد الردعي، معتبرًا أن الهجوم رسالة بأن "لا حصانة" لأي قيادة سياسية لحماس، حتى في الدوحة، تمامًا كما لم تكن طهران أو دمشق سابقًا بعيدة عن ضربات إسرائيل.
تعقيب: هنا يبرز منطق الغطرسة الإسرائيلية الذي يضع نفسه فوق القانون الدولي، ويعتبر أي دولة في المنطقة مجرد ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات.
3. قرار سياسي بوقف المفاوضات:
تسفي برئيل (هآرتس) رأى أن الاستهداف لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل قرار سياسي بإنهاء مسار التفاوض مع حماس من طرف واحد، والتخلص من الضغوط التي فرضتها عائلات الرهائن على الحكومة الإسرائيلية.
تعقيب: هذه القراءة تكشف البُعد الأعمق؛ فإسرائيل لم تكن تبحث عن اتفاق، بل عن حسم عسكري – سياسي يفرض على المنطقة نموذجًا جديدًا من الهيمنة.
ثانيًا: مغزى العملية في السياق الإقليمي
تحدي الضمانات الأميركية: العملية تؤكد أن الحسابات الإسرائيلية والأميركية أصبحت أولوية على حساب كل الضمانات الأمنية التي أعطيت للخليج منذ عقود.
انكشاف الفضاء الخليجي: التكنولوجيا الغربية التي تحمي القواعد الأميركية لم تُستخدم لردع التهديد الإسرائيلي، وهو ما يثير تساؤلات خليجية جدية حول معنى التحالفات الأمنية.
إعادة رسم المعادلات: نتنياهو وضع إسرائيل في منزلة "القطب العالمي"، يملك حق الضرب متى وكيف شاء، في سابقة تهدد ميزان الاستقرار الإقليمي بأسره.
ثالثًا: التداعيات المحتملة
على حماس: فشل الاغتيال في تحقيق هدفه المباشر، لكنه يعكس استمرار إستراتيجية "قطع الرؤوس"، التي غالبًا ما تنتج قيادات أكثر صلابة.
على قطر: رغم الإدانة الرسمية، يبقى السؤال: هل تقبل الدوحة بلعب دور الوسيط بعد أن ضُربت في قلبها؟ أم أن العملية دفعتها إلى مراجعة موقعها بين واشنطن وتل أبيب؟
على الخليج: تتصاعد قناعة أن الخطر الإسرائيلي، سياسيًا وأمنيًا، قد تجاوز في خطورته ما يُسمى "الخطر الإيراني"، لأنه يستند إلى غطاء أميركي وصمت دولي.
الاستهداف في الدوحة لم يكن مجرد عملية عسكرية؛ بل رسالة سياسية عميقة بأن الاحتلال الإسرائيلي لا يتردد في انتهاك سيادة العواصم، ولا يعترف بأي خطوط حمراء. غير أن القراءة الدقيقة تكشف أن هذه الغطرسة، التي بدت كعرض قوة، تحمل في طياتها هشاشة استراتيجية؛ فهي تفتح أبوابًا لصراعات إقليمية جديدة، وتضع الخليج أمام معادلة خطيرة: إما إعادة تعريف أولويات الأمن القومي، أو البقاء رهينة لهيمنة إسرائيلية – أميركية مشتركة.





