-
℃ 11 تركيا
-
21 يونيو 2025
أين تقف الصين من الحرب بين إيران وإسرائيل؟
حسابات دقيقة في زمن الصواريخ
أين تقف الصين من الحرب بين إيران وإسرائيل؟
-
21 يونيو 2025, 12:10:23 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
قال الباحث لاديسلاف زيمانيك، زميل باحث غير مقيم في "معهد الصين-وسط وشرق أوروبا" وعضو نادي فالداي، إنه مرة أخرى، تعمد إسرائيل إلى كسر قواعد الاشتباك في المنطقة، مدفوعة بثقة حكومة بنيامين نتنياهو المتزايدة في غياب رادع دولي حقيقي.
وفي تحليل نشره بموقع “روسيا اليوم” في نسخته الإنجليزية، أوضح زيمانيك أن الاعتداءات المتكررة على إيران – والتي تبررها تل أبيب بأنها “إجراءات استباقية” ضد طموحات نووية مفترضة – لا تختلف كثيرًا في جوهرها عن سردية واشنطن في غزو العراق عام 2003، حين جرى استخدام مزاعم أسلحة الدمار الشامل كذريعة لحرب ثبت لاحقًا زيفها. في نظر بكين، هذه الممارسات تمثل حربًا سردية خطيرة تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء، وقد تمهد لتفجر صراع عسكري واسع النطاق في المنطقة.
بكين: موقف واضح وثابت
وأكد زيمانيك أن رد الصين لم يكن مترددًا. فقد أدانت وزارة الخارجية الصينية بشكل حازم الانتهاكات المتكررة للسيادة الإيرانية، محذرة من أن استمرار التصعيد لا يخدم أي طرف. وفي اجتماعات مجلس الأمن الدولي، وصفت بكين العمليات العسكرية الإسرائيلية بـ”المغامرة” وربطتها مباشرة بالكارثة الإنسانية في غزة، ما يمثل موقفًا ديبلوماسيًا يعكس تحولا تدريجيا في حدة اللهجة الصينية تجاه إسرائيل، وإن دون تسمية الولايات المتحدة بشكل مباشر.
كما أجرى وزير الخارجية وانغ يي محادثات هاتفية مع نظرائه في إيران وإسرائيل. حديثه مع الإيرانيين كان حادًا، إذ أدان الهجمات على المنشآت النووية بوصفها تجاوزًا “غير مقبول” للخطوط الحمراء القانونية والأخلاقية. أما في حديثه مع الإسرائيليين، فاتسم بنبرة أقل حدة لكن لم يخلُ من دعوة واضحة للابتعاد عن الحلول العسكرية والعودة إلى طاولة الدبلوماسية.
الدبلوماسية الصينية تدعم طهران
وأشار الباحث إلى أنه في هذا السياق المتأزم، بدا موقف بكين منحازًا لموقف طهران، ليس فقط على المستوى السياسي، بل القانوني أيضًا. فالصين لا ترى في البرنامج النووي الإيراني تهديدًا ما دام ملتزمًا بإطار معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT). كما أنها ترفض أي محاولات لإجهاض هذا البرنامج السلمي أو فرض شروط أمريكية أحادية الجانب. ولهذا، كانت الصين – إلى جانب روسيا – من أبرز المدافعين عن الاتفاق النووي لعام 2015 (JCPOA)، والذي انهار عقب انسحاب إدارة ترامب.
وفي مارس الماضي، نظمت بكين اجتماعًا ثلاثيًا مع نواب وزراء خارجية إيران وروسيا في محاولة لإحياء الاتفاق ودعم الحلول المتعددة الأطراف. هذا يؤكد التزام الصين بمسار قانوني ودولي لحل الأزمة، بعكس واشنطن وتل أبيب اللتين تفضلان الحلول العسكرية أو الاقتصادية القسرية.
شراكة استراتيجية.. لكنها مشروطة
وفقا لـ"زيمانيك"، فإن العلاقة بين بكين وطهران ليست فقط سياسية بل ذات طابع استراتيجي أوسع. فالاتفاق الممتد لـ25 عامًا الذي وقعته الدولتان في عام 2021 يشمل مجالات التجارة والطاقة والبنية التحتية والدفاع والتعليم، ما يُعد تبادلًا للمصالح: دعم اقتصادي صيني مقابل استقرار في تدفق النفط الإيراني. وتُعد الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر لإيران، والمشتري الرئيسي لنفطها، إذ تستورد ما يقرب من 90% من صادراتها النفطية.
كما شهدت العلاقات تنسيقًا عسكريًا، تمثل في مناورات بحرية مشتركة (حزام الأمن البحري) مع روسيا، بدأت منذ 2019. وهذا يعكس جزءًا من استراتيجية "التوجه شرقًا" التي تبناها الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، واستمرت حتى اليوم.
لكن، وعلى الرغم من هذه المؤشرات، فالعلاقة لا تخلو من التوترات. فبكين لم تفِ ببعض وعودها الاستثمارية، والتحديات الناجمة عن العقوبات الأمريكية لا تزال تلقي بثقلها، كما أن طهران تطمح لمزيد من الدعم التكنولوجي والاقتصادي مما تقدمه الصين حتى الآن. بكين بدورها تبحث عن استقرار في الإمدادات النفطية وتعزيز نفوذها في الخليج دون التورط في مغامرات جيوسياسية.
الخطوط الحمراء الصينية
ولفت “زيمانيك” إلى أنه رغم دعمها لطهران، إلا أن بكين لن تسمح لأي تصعيد إيراني يهدد مصالحها الجوهرية. فلو أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز – الذي يمر عبره أكثر من ربع إمدادات النفط العالمية وثلث الغاز الطبيعي المسال – فإن الصين ستكون أول الخاسرين اقتصاديًا. كذلك، أي انسحاب إيراني من معاهدة NPT سيمثل تحديًا مباشرًا للمرتكزات القانونية التي تستند إليها الدبلوماسية الصينية.
أيضًا، فإن تعميق التعاون العسكري بين الصين وإيران، خصوصًا إذا تضمن صفقات سلاح كبرى، من شأنه أن يزيد توتر العلاقات الصينية-الأمريكية التي تشهد بالفعل حالة من التدهور.
بكين لا ترغب بمواجهة مباشرة. صورتها كـ”قوة مسؤولة” تفضل التهدئة والحوار أصبحت عنصرًا جوهريًا في توسع نفوذها في الشرق الأوسط. وقد تكرّست هذه الصورة عندما رعت اتفاق المصالحة بين إيران والسعودية في 2023. لكن واقع الأمر أن تأثير الصين على طهران لا يزال محدودًا، فهي لاعب جديد نسبيًا على المسرح الإقليمي، ومصالحها عرضة لتقلبات المشهد العسكري سواء من جانب إسرائيل أو بسبب أخطاء حسابية إيرانية.
بين الحذر والردع: دروس بكين وموسكو
حتى اللحظة، بدت ردود إيران على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة محسوبة ومحدودة. وقد يكون ذلك رغبة في تفادي الانزلاق نحو حرب مفتوحة، خاصة بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في مايو 2024 وما تبعه من تحولات في النخبة الحاكمة تميل – نسبيًا – لانفتاح أكبر على الغرب. ولكن في نظر بكين وموسكو، هذا الحذر قد يُفهم خطأً على أنه ضعف، ما قد يشجع تل أبيب وواشنطن على التمادي أكثر. الدرس هنا واضح: في ساحة دولية تسيطر عليها القوة، فإن التردد قد يكون أكثر خطورة من المجابهة.
التحليل الذي قدمه لاديسلاف زيمانيك يُظهر الصين كلاعب دقيق ومتزن، يوازن بين طموحاته الاقتصادية والسياسية، وبين حدود التأثير في منطقة تعج بالتعقيدات. دعمه لإيران ليس مطلقًا، لكنه موجّه بوعي إلى منع الانزلاق نحو حرب تهدد الاستقرار العالمي. وبينما تحاول واشنطن وتل أبيب فرض منطق القوة، تفضل بكين منطق القانون والبراغماتية – وإن كانت هذه المقاربة معرضة للاختبار مع كل صاروخ جديد يسقط في قلب الشرق الأوسط.







