تمهيد إسرائيلي لدخول الجنوب السوري بحجة مواجهة التمدد الإيراني

profile
  • clock 30 يوليو 2025, 2:23:06 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
دبابة إسرائيلية تعبر المنطقة العازلة بين سوريا ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، 11 ديسمبر، 2024

متابعة: عمرو المصري

في تقرير جديد نشرته صحيفة معاريف العبرية، زعم الكاتب آفي أشكنازي أن إسرائيل تلقت "تحذيرات استخباراتية مؤكدة" من وجود نوايا هجومية لدى جماعات مسلحة موالية لإيران انطلاقًا من جنوب سوريا. ونقل التقرير عن "مصدر أمني إسرائيلي" لم يسمّه، أن تل أبيب تجري اتصالات مباشرة مع السلطات السورية بهدف "نزع سلاح الجنوب"، فيما شدد المصدر على أن "الحديث عن نية إسرائيل غزو جنوب سوريا كاذب"، في إشارة إلى التوترات المتصاعدة على الحدود.

إلا أن مضمون التقرير وما تضمّنه من ادعاءات وتلميحات يثير العديد من علامات الاستفهام، خصوصًا في ضوء تكرار النمط الإسرائيلي المعتاد الذي يبدأ بتسريبات استخباراتية، يوازيها حديث عن "مفاوضات سرية"، ثم يتبعها تصعيد ميداني تحت ذرائع أمنية.

مزاعم التفاوض تسبق الميدان

من اللافت أن التقرير يسوّق لفكرة وجود مفاوضات بين إسرائيل والحكومة السورية حول ترتيبات أمنية في الجنوب، بما في ذلك لقاءات جرت في باريس وُصفت بـ"الإيجابية". لكن في السياق نفسه، يحذّر الكاتب من "فشل دمشق في مواجهة تغلغل المحور الإيراني"، وهو ما يكشف عن مفارقة ضمنية، حيث تُقدَّم المفاوضات كأداة دبلوماسية، بينما تُستثمر في الواقع كغطاء لشرعنة تدخل أوسع في الجنوب السوري بذريعة سدّ فراغ السلطة ووقف تمدد إيران.

ولا تخلو الرواية الإسرائيلية من نبرة تهديد مبطّن، إذ يؤكد المصدر الأمني أن إسرائيل "لن تقبل بأي اعتداء من الأراضي السورية"، مما يعيد إلى الأذهان الأساليب نفسها التي استُخدمت لتبرير تدخلات سابقة في غزة ولبنان، حين تم الدمج بين خطاب الحوار وتكتيك الردع.

توظيف الأزمة الاقتصادية والورقة الدرزية

أشار التقرير إلى الوضع الاقتصادي المنهار في سوريا، حيث يُستغل ضعف الرواتب لتجنيد شبكات موالية لإيران مقابل 50 دولارًا للفرد، وهي صياغة تسعى لترسيخ رواية إسرائيلية مفادها أن طهران تبني نفوذًا على هشاشة المجتمعات المحلية، ما يبرر من وجهة النظر الإسرائيلية التدخل الأمني في تلك المناطق.

كما ركّز التقرير على "حساسية الوضع الدرزي" في السويداء، متعهدًا بـ"عدم المسّ بالدروز"، وهي نغمة اعتادت إسرائيل استخدامها كأداة خطابية لتسويق تدخلاتها في سوريا ولبنان، على الرغم من توثيق استهدافها المتكرر لتلك المناطق، ما يثير شكوكا حول نواياها الحقيقية.

تمهيد لواقع أمني متوتر

ربط المقال بين التطورات في جنوب سوريا والوضع على الحدود اللبنانية، معتبرًا أن نموذج "التدخل المحدود مع السيطرة النارية" القائم في جنوب لبنان يمكن نسخه إلى قطاع غزة وربما جنوب سوريا أيضًا. ويأتي هذا الطرح في توقيت تشهد فيه المنطقة توترات غير مسبوقة، ويتزايد فيه الجدل داخل إسرائيل بشأن فشل "إدارة الحرب" سواء في غزة أو على الجبهات الشمالية.

وإذ يؤكد الكاتب أن "إسرائيل لا تنوي غزو الجنوب السوري"، إلا أن عرض سلسلة طويلة من التحذيرات، وربطها بتحولات جيوسياسية وأمنية واقتصادية، يشكّل مزيجًا معروفًا في الخطاب الإسرائيلي يستخدم عادة لتبرير أي تصعيد لاحق باعتباره "ضرورة أمنية".

تغطية تمهيدية لتصعيد محتمل

لا يمكن فصل هذا التقرير عن سلسلة مقالات ظهرت مؤخرًا في الصحافة العبرية، ركزت على "التهديد الإيراني في سوريا"، و"ضعف دمشق"، و"خطط محورية بين طهران وبيروت"، وهي مقالات تشكل في مجموعها غطاءً سياسيًا إعلاميًا لما يبدو أنه تحضير لمرحلة تدخل جديدة، خصوصًا في ظل صمت رسمي من الجانب السوري حيال هذه المزاعم.

وبينما تلتزم الحكومة الإسرائيلية الصمت بشأن النوايا العسكرية في سوريا، تبدو المؤسسة الإعلامية الإسرائيلية وكأنها تؤدي وظيفة موازية للمؤسسة الأمنية: تهيئة الأجواء السياسية الداخلية، وتبرير التحركات الميدانية على الساحة الدولية، واختبار ردود الأفعال.

في المحصلة، لا يبدو المقال سوى محاولة لشرعنة التدخل تحت غطاء التفاوض، مع استمرار رواية الخطر الإيراني كأداة استراتيجية في يد إسرائيل، وهو أسلوب درجت عليه تل أبيب منذ سنوات، وأثبتت الوقائع أنه غالبًا ما يسبق تحركات ميدانية توسعية، أكثر منها دفاعية.

التعليقات (0)