بريطانيا تراهن على الإفلات من العقاب في غزة: مقامرة سياسية قد تنقلب على أصحابها

profile
  • clock 24 يوليو 2025, 3:36:25 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أوين جونز – صحيفة الجارديان

بلغت الكارثة في غزة نقطة تحوّل مروّعة، حيث تصاعد عدد الفلسطينيين الذين يُنقلون إلى المستشفيات أو يلقون حتفهم بسبب الجوع. وقد حذّرت نقابة الصحفيين في وكالة فرانس برس من أن "الصحفيين المتبقين في غزة سيموتون جوعاً ما لم يحدث تدخل عاجل".

لكن رغم فظاعة هذا التحذير، فإنه لا يثير الدهشة. فنحن الآن بعد أكثر من 140 يوماً على الحصار الإسرائيلي الكامل لغزة، وفي مايو الماضي، تخلّت إسرائيل عن الآلية الفعّالة التي كانت تعتمدها الأمم المتحدة لإيصال المساعدات، واستبدلتها بنظام عبثي يجبر الفلسطينيين على التقاتل للحصول على فتات مساعدات في الغالب غير صالحة للاستعمال، وسط إطلاق النار عليهم أثناء ذلك.

منذ نهاية مايو فقط، قُتل نحو 1000 مدني فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على الطعام. ويقول أليكس دي وال، أحد أبرز خبراء المجاعة في العالم: "لا يوجد مثال منذ الحرب العالمية الثانية على مجاعة خُطط لها ونُفذت بهذا القدر من الدقة والسيطرة". وفقًا لاتفاقيات جنيف، فإن "تجويع المدنيين كأسلوب حرب يُعد محظوراً بشكل صريح".

سؤال أمام البرلمان: هل يواجه لامي المحاكمة؟

وسط هذه الخلفية المأساوية، وقف الوزير السابق في حزب المحافظين كيت مالثاوس أمام البرلمان البريطاني، ووجّه سؤالًا مباشرًا إلى وزير الخارجية الجديد ديفيد لامي: "ألا يرى أنه يُعرض نفسه للخطر، بالنظر إلى التزاماتنا الدولية، وقد ينتهي به الأمر في لاهاي بسبب تقاعسه؟".

ردّ لامي بانحناءة خفيفة وبنبرة توحي بخيبة أمل نبيلة، قائلاً: "أعتقد أن هذا النوع من التخصيص الشخصي للحجج يُضعف من مصداقيتها". لكن الحقيقة أن مالثاوس لم يُهِن الوزير ولم يُخرق الأعراف البرلمانية. بل حاول لامي عمداً الخلط بين المحاسبة القانونية والهجوم الشخصي للتهرب من الإجابة الجوهرية.

لامي – وهو محامٍ بالمهنة – يُفترض أنه يعلم جيداً أن اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 تنص على خمسة أفعال يُعاقب عليها، منها "التواطؤ في الإبادة الجماعية". كما تنص الاتفاقية على أن الدول الموقعة ملزمة قانوناً بمنع ومعاقبة الجريمة. وبريطانيا من الدول التي وقّعت الاتفاقية منذ يوم إصدارها، وأدخلتها في قوانينها قبل 55 عامًا.

تصريحات إسرائيلية تقر بالجريمة

الموقف الإسرائيلي الرسمي لا يدع مجالاً للشك: لا ينبغي أن يبقى أي فلسطيني في غزة بعد انتهاء الحرب. قال بنيامين نتنياهو بكل وضوح: "ندمّر المزيد من المنازل، ولا مكان يعود إليه سكان غزة". ويجري العمل على بناء ما وصفه رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت بأنه "معسكر اعتقال"، تمهيدًا لترحيل من تبقّى من السكان.

بل إن إيال بنفينيستي، المحامي الإسرائيلي الذي يشارك في الدفاع عن إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وصف هذه الخطط بأنها "جريمة حرب" و"قد تنطبق عليها صفة الجريمة ضد الإنسانية". ولاحقًا، وقّع خطابًا يقول إن هذه الخطة "قد تشكل إبادة جماعية في ظروف معينة".

الأدلة القانونية دامغة

وفقًا للقانون الدولي، لا توجد منطقة رمادية في هذه المسألة. عندما وقّعت بريطانيا على معاهدة تجارة الأسلحة في 2014، التزمت بعدم السماح بأي تصدير "إذا كانت تعرف أن هذه الأسلحة ستُستخدم في ارتكاب إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب". ويشمل ذلك مكونات الطائرات الحربية مثل مقاتلات F-35.

ومع ذلك، فإن حكومة لامي تواصل تزويد إسرائيل بمكونات حيوية لهذه الطائرات، التي استخدمت بشكل ممنهج في تدمير البنية التحتية المدنية وقتل الأطفال الفلسطينيين. بل إن الحكومة البريطانية كانت تعلم أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة توقيف ضد نتنياهو ووزير دفاعه، لكنها واصلت دعمها العسكري.

شهادات الأطباء تكذب الحكومة

عند محاولتها الدفاع عن بيع مكونات F-35 أمام المحكمة العليا، زعمت الحكومة البريطانية أنها "لم ترَ أدلة على استهداف متعمد للنساء والأطفال" في غزة، وأنه "لا يوجد خطر جدّي بوقوع إبادة جماعية". هذا يتناقض مع شهادات عشرات الأطباء والممرضين الأمريكيين الذين عملوا في غزة، وأكدوا تلقي جثث أطفال فلسطينيين أُطلق النار على رؤوسهم أو صدورهم مباشرة.

حتى جنود الاحتلال الإسرائيلي أقروا صراحةً باستهدافهم للأطفال. ويقول الطبيب البريطاني نيك ماينارد، العامل في مستشفى ناصر بغزة، إنه شاهد أنماطًا متكررة: "في يوم تُصاب مجموعة من المراهقين في البطن، وفي يوم آخر في الرأس أو العنق، ثم في الأعضاء التناسلية. هناك نمط واضح، كأنها لعبة شيطانية تُمارس".

إنكار رسمي رغم الإجماع الأكاديمي

الموقف الرسمي البريطاني في إنكار وقوع إبادة جماعية يتناقض تمامًا مع مواقف أبرز الباحثين في مجال دراسات الإبادة، بمن فيهم الأكاديميون الإسرائيليون أنفسهم. عومر بارتوف، أستاذ دراسات المحرقة والإبادة في جامعة براون وأحد الضباط السابقين في جيش الاحتلال، قال: "لقد درّستُ الإبادة الجماعية على مدار 25 عاماً، وأنا أعرفها حين أراها".

وبالتالي، فإن من سهّلوا هذه الجريمة أو قدموا لها المبررات لا يملكون اليوم أي أعذار. قبل أكثر من عام، أعدّ الفريق القانوني لجنوب أفريقيا ملفًا من 121 صفحة يوثّق تصريحات إسرائيلية تحمل نوايا إبادة صريحة. ذلك الملف أصبح اليوم قديمًا، في ظل سيل المقاطع المصوّرة التي توثّق ذبح المدنيين وتدمير المستشفيات والمدارس أمام عدسات الكاميرات.

تجارة الدم واستمرار الإنكار

ومع ذلك، تواصل بريطانيا تصدير قطع غيار الطائرات إلى إسرائيل، وترفض وصف أي من أفعال إسرائيل بأنها "جريمة حرب"، لأنها تعلم أن مثل هذا الوصف يُلزمها قانونياً بوقف كل أشكال الدعم.

ورغم تعليق رمزي ومؤقت لمفاوضات اتفاق التجارة، احتفلت السفارة البريطانية في تل أبيب لاحقًا بوصول المبعوث التجاري الجديد. وعندما فرضت بريطانيا عقوبات على وزيرين إسرائيليين من اليمين المتطرف، فعلت ذلك بسبب "خطابهم المتطرف"، لا بسبب أفعالهم، لأن إدانة الأفعال تعني اتهام حكومة لندن نفسها بالتواطؤ.

بل إن بريطانيا ذهبت إلى حظر حركة "Palestine Action" المناهضة للإبادة الجماعية، مما يعني أن النشطاء الذين يحتجون على الجرائم قد يجدون أنفسهم في قفص الاتهام، في حين يواصل الداعمون الرسميون لتلك الجرائم تجنب المساءلة.

مقامرة سياسية محفوفة بالعواقب

يبدو أن وزير الخارجية ديفيد لامي يؤمن بأن إفلات القادة الغربيين – وإسرائيل – من المحاسبة سيستمر إلى الأبد. لكن هذا افتراض خطير. فلا توجد مدة تقادم للتواطؤ في جريمة إبادة جماعية. جريمة إسرائيل لم تنتهِ بعد، لكن محاكمات التواطؤ يمكن أن تبدأ بعد خمس أو عشر أو عشرين سنة.

لامي يراهن على أن باب بيته لن يُطرق يومًا، وأنه سيظل في مأمن من العدالة الدولية. لكنها مقامرة سياسية كبيرة، على حساب دماء شعب كامل.

الكاتب: أوين جونز
كاتب عمود في صحيفة الجارديان البريطانية


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
المصادر

الجارديان

التعليقات (0)