تحول نوعي في قواعد الاشتباك: من الدفاع إلى المباغتة

الكمائن الفلسطينية: استراتيجية المقاومة في مواجهة آلة الاحتلال الإسرائيلي

profile
  • clock 1 مايو 2025, 1:18:36 م
  • eye 416
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
الكمائن الفلسطينية

مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة مراحلها الأكثر تعقيدًا، تتكشف ملامح معركة من نوع جديد، لا تُقاس فيها النتائج بمقاييس الدبابات والطائرات فقط، بل بصمود الشعوب، ومرونة التكتيك، وقدرة الضحية على تحويل أدوات الهيمنة إلى عبء على المُعتدي. في هذه المعركة، برزت الكمائن العسكرية التي تنفذها المقاومة الفلسطينية كأداة استراتيجية لإعادة تعريف منطق الحرب، وتفكيك صورة "التفوق الإسرائيلي" المزعومة.

 

تحول نوعي في قواعد الاشتباك: من الدفاع إلى المباغتة

 

خلافًا للصورة الذهنية التي رسمتها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عن نفسها على مدار عقود—بأنها "جيش لا يُقهر"—جاءت معركة غزة (2023–2025) لتُثبت عكس ذلك. فمع تراكم الخسائر وازدياد الإنهاك، أظهرت المقاومة الفلسطينية براعة في تكتيك الكمائن المنظمة، القائم على استدراج قوات الاحتلال إلى نقاط محسوبة بدقة، وتحويلها إلى ميادين استنزاف.

وقد تحولت كمائن الشجاعية وتل السلطان وبيت حانون من مجرد عمليات قتالية إلى جزء من استراتيجية واعية تهدف إلى كسر تفوق العدو وتحقيق توازن الردع من خلال الاستنزاف طويل الأمد.

 

الكمين كنموذج للمقاومة الواعية

 

ما يميز التكتيك الحالي هو وعي المقاومة الفلسطينية العميق بطبيعة الحرب الحديثة. المعركة اليوم لا تحسم باحتلال الأرض فحسب، بل بكسر إرادة الخصم. وفي هذا السياق، يحمل الكمين رسالتين واضحتين:

عسكريًا: لم يعد جيش الاحتلال يتحرك بأمان، حتى في المناطق التي يدّعي السيطرة عليها.

سياسيًا: المقاومة لا تزال قادرة على الهجوم والمبادرة، رغم القصف والحصار.

أبرز مثال على ذلك كان كمينًا استهدف وحدة "مستعربين" ولواء احتياط إسرائيلي، وأسفر عن مقتل ضابط وجندي وإصابة آخرين، كاشفًا هشاشة الاستخبارات الميدانية "الإسرائيلية" وضعف استجابتها في بيئة قتالية معقدة.

 

انهيار سردية "الجيش الأخلاقي"

 

لطالما روج الإعلام الغربي لانحيازه الصارخ لنموذج "الجيش الأخلاقي" الإسرائيلي. لكن الكمائن الميدانية أظهرت الحقيقة:

"إسرائيل" تعتمد سياسة الأرض المحروقة، مستخدمة الفسفور الأبيض والقنابل العنقودية في الأحياء السكنية.

المقاومة تركز على مواجهة الجنود مباشرة، وليس استهداف المدنيين، عكس ما تروج له الدعاية الصهيونية.

هذه الحقائق تفكك خطاب التفوق الأخلاقي، وتؤكد أن الإرهاب الحقيقي تمارسه القوة المحتلة، لا المقاوم المدافع عن أرضه.

 

الكمائن كأداة لاستنزاف الاحتلال

لا تقتصر أهداف الكمائن على تكبيد الاحتلال خسائر آنية، بل تتعداها إلى تحقيق استنزاف استراتيجي على عدة مستويات:

خسائر بشرية متصاعدة تشمل ضباطًا وقادة ميدانيين.

تآكل الجهوزية القتالية مع اضطرار الجيش إلى تدوير القوات.

ضغط داخلي متزايد من أهالي الجنود داخل إسرائيل المطالبين بوقف الحرب.

عزلة سياسية دولية متفاقمة نتيجة صور الضحايا المتكررة والمجازر العلنية.

 

لماذا تفشل "إسرائيل" في مواجهة الكمائن؟

 

رغم تفوقها التقني، تفشل إسرائيل في التعامل مع الكمائن لعدة أسباب جوهرية:

فقدان زمام المبادرة في مواجهة عدو غير مرئي يتحكم بساحة الاشتباك.

غياب التأقلم البيئي، حيث يواجه الجنود الإسرائيليون صعوبة في القتال داخل مناطق حضرية معادية.

ضعف الحافز المعنوي، إذ يفتقر الجنود الإسرائيليون للارتباط الحقيقي بالأرض التي يقاتلون فيها.

تكلفة سياسية داخلية، حيث تتحول كل خسارة عسكرية إلى مأزق سياسي يهدد استقرار الحكومة.

 

الكمين كفعل سيادي

 

على المستوى الرمزي، يشكل الكمين إعلانًا لامتلاك الإرادة والسيادة. حين ينفذ مقاوم فلسطيني عملية نوعية ضد وحدة عسكرية في أرضه، فهو يقول عمليًا: "نحن من يحدد شروط القتال، أنتم غرباء، وأنتم من سيدفع الثمن".

السيادة في السياق الفلسطيني لا تُقاس بالسيطرة الميدانية فحسب، بل بالقدرة على المبادرة، والمواجهة، وفرض التكلفة على المعتدي.

 

كمائن غزة وتفكيك المشروع الكولونيالي الصهيوني

 

ليست الكمائن اليومية مجرد ردود فعل آنية، بل جزء من مسار تاريخي يسعى إلى تفكيك مشروع الاستيطان الصهيوني من جذوره. تمامًا كما حدث في جنوب لبنان عام 2000، تؤسس غزة اليوم لواقع جديد:

الاحتلال صار مشروعًا مكلفًا وغير مستدام.

الجندي الإسرائيلي بدأ يدرك أن استمراره يعني الموت لا الحماية.

صمود الشعب الفلسطيني يفوق قدرة العدو على الحسم العسكري.

 

معركة الإرادة.. وأسلحة من الإرادة

 

حين ينصب مقاوم فلسطيني كمينًا لرتل عسكري مدجج، فهو لا يحمل فقط بندقية، بل يحمل إرادة تاريخية تُحطم كل روايات الهيمنة. فالكمين، في معركة غزة، هو بيان سياسي، وصرخة حرية، وأداة نضال شعبية تقول للعالم: "لن نستسلم".

المقاومة الفلسطينية لا تواجه فقط جيش الاحتلال، بل تواجه أيضًا نظامًا دوليًا يتواطأ مع المعتدي. لكن، كما قال أحد المعلقين:
"حين تفشل القوة الغاشمة في إخضاع الضعفاء، ينكشف وجه الإمبراطورية الحقيقي، ويبدأ العد التنازلي لانهيارها."

وغزة، بكل ما تعانيه من دمار وحصار، تكتب هذا العد التنازلي بدماء أبطالها وكمائنهم التي أصبحت رموزًا للقوة من قلب الضعف.

التعليقات (0)