-
℃ 11 تركيا
-
21 أغسطس 2025
الديمقراطية الغربية بين الشعارات والواقع: لسنا منهم ولا هم منا
هذه ديمقراطيتهم.. لا تناسبنا ولا تنتمي إلينا
الديمقراطية الغربية بين الشعارات والواقع: لسنا منهم ولا هم منا
-
21 أغسطس 2025, 1:05:15 م
-
411
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
صورة من الفيديو
محمد خميس
في السنوات الأخيرة، انتشرت تسجيلات ومقاطع مصورة تُظهر مشاهد من داخل المجتمعات الغربية التي طالما تغنّت بالديمقراطية واعتبرتها النموذج الأمثل للحياة السياسية والاجتماعية. غير أن هذه المشاهد كشفت، في كثير من الأحيان، تناقضات صارخة بين الشعارات المرفوعة والواقع المعاش. من هنا جاءت العبارة الشهيرة: "هذه ديمقراطيتهم.. لا تناسبنا.. فليست منا ولسنا منها".
هذا الوعي المتزايد يعكس إدراك الشعوب العربية أن الديمقراطية بشكلها الغربي ليست بالضرورة النموذج الوحيد للحياة الكريمة، بل قد تتحول في بعض السياقات إلى وسيلة للهيمنة الفكرية والسياسية على حساب قيمنا وأولوياتنا.
ديمقراطيتهم حجة.. لا تعني عيشاً كريماً لنا
حين نتمعن في الواقع الغربي، نجد أن الديمقراطية هناك تُستخدم أحياناً كشعار براق لتبرير سياسات داخلية وخارجية متناقضة. فبينما يُرفع شعار الحرية وحقوق الإنسان، تُمارس سياسات الإقصاء والعنصرية ضد الأقليات والمهاجرين، بل وحتى ضد المواطنين الأصليين الذين يخرجون عن الخط المرسوم.
بالنسبة لشعوبنا، فإن العيش الكريم ليس مجرد صندوق اقتراع أو انتخابات متكررة لا تغير من واقع الفقر والبطالة والاضطرابات. العيش الكريم يعني عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية، وتوزيعاً عادلاً للثروات، وهذه القيم لا تتحقق بمجرد استيراد أنظمة سياسية غريبة عنا أو محاولات نسخ نماذج لا تتماشى مع خصوصياتنا الثقافية والاجتماعية.
لسنا منهم.. ولا هم منا
من الخطأ الاعتقاد أن الديمقراطية الغربية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان. فهي وليدة سياقات تاريخية وثقافية خاصة بالمجتمعات التي نشأت فيها، وبالتالي لا يمكن فرضها على بيئات مختلفة ذات موروثات حضارية ودينية مغايرة.
العالم العربي والإسلامي يمتلك رصيداً كبيراً من القيم الإنسانية والسياسية التي تضع الشورى والعدالة والمسؤولية المجتمعية في صميمها. هذه القيم ليست غريبة عنا، بل هي جزء من تراثنا وثقافتنا. ومن هنا، فإن أي محاولة لاستيراد "ديمقراطيتهم" دون اعتبار لخصوصياتنا هي إلغاء للذات وتهميش للهوية.
من أرادهم فليذهب إليهم
الكثير من الأصوات في العالم العربي تدعو إلى الانبهار بالنموذج الغربي وتطالب بنسخه كما هو. لكن الحقيقة أن من يرى في الديمقراطية الغربية حلاً سحرياً لمشاكلنا، يمكنه أن يجرّب العيش هناك ويختبر واقعها بعيداً عن الشعارات.
أما نحن، فالأجدر بنا أن نبحث عن نموذجنا الخاص الذي ينطلق من قيمنا وواقعنا، لا أن نكون مجرد تابعين لمعارك فكرية وسياسية تُدار خارج حدودنا. فمن يقتنع بهم، فليذهب إليهم، ولكن لا يفرض علينا تجربته أو يسعى إلى تشويه مجتمعاتنا باستيراد ما لا يتناسب معنا.
خطورة استيراد ديمقراطيتهم
استيراد الديمقراطية الغربية بشكلها الخام يعني بالضرورة استيراد مشكلاتها وصراعاتها. ومن أبرز هذه التحديات:
تفكك المجتمع: إذ تؤدي الصراعات الحزبية الحادة إلى تقسيم الشعوب بدلاً من توحيدها.
هيمنة رأس المال: فالمال والإعلام يلعبان دوراً أساسياً في تحديد من يفوز ومن يُقصى، مما يحوّل الديمقراطية إلى سوق للمصالح.
تغريب القيم: إذ تُفرض قيم لا تتوافق مع هوية مجتمعاتنا وثقافتنا، مما يخلق صراعاً داخلياً بين الأجيال.
إضعاف السيادة: حيث تستغل بعض القوى الكبرى شعارات الديمقراطية للتدخل في شؤون الدول الأخرى، بما في ذلك منطقتنا العربية.
نحو نموذجنا الخاص
البديل ليس رفض الديمقراطية كمفهوم مطلق، بل إعادة صياغته بما يخدم مجتمعاتنا. نحن بحاجة إلى أنظمة سياسية تراعي العدالة الاجتماعية قبل أي شيء و مؤسسات حقيقية تضمن المساءلة والشفافية و مشاركة شعبية واسعة قائمة على الشورى والتكافل و احترام الهوية الثقافية والدينية لمجتمعاتنا.
بهذا الشكل، نستطيع صياغة نموذج للحكم يعبر عنا، يحقق الاستقرار، ويضمن العيش الكريم بعيداً عن الاستنساخ الأعمى لتجارب الآخرين.










