-
℃ 11 تركيا
-
21 أغسطس 2025
أزمة الحريديم تكشف هشاشة الجيش الإسرائيلي: قادة ميدانيون يدقون ناقوس الخطر
شعور بالخذلان داخل المؤسسة العسكرية
أزمة الحريديم تكشف هشاشة الجيش الإسرائيلي: قادة ميدانيون يدقون ناقوس الخطر
-
21 أغسطس 2025, 1:13:06 م
-
413
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
محمد خميس
تشهد الساحة الإسرائيلية هذه الأيام حالة غير مسبوقة من التوتر الداخلي، ليس فقط على الصعيد السياسي، بل أيضًا داخل المؤسسة العسكرية التي تُعتبر الدعامة الأساسية للكيان. فخلال الساعات الماضية، نقلت قناة الجزيرة عن هيئة البث الإسرائيلية تصريحات خطيرة لقائد ميداني في الجيش، أكد فيها أن الحكومة الإسرائيلية تُولي اهتمامًا متزايدًا للحريديم على حساب المؤسسة العسكرية، مما يجعل الجنود والقادة يشعرون وكأنهم تُركوا وحدهم في مواجهة التحديات الأمنية المتفاقمة.
الحريديم.. معضلة الجيش الإسرائيلي
من المعروف أن شريحة الحريديم (اليهود المتشددين) في إسرائيل لطالما أثارت جدلاً واسعًا بسبب رفض معظم أفرادها أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، بحجة التفرغ للدراسة الدينية. هذا الامتناع عن الخدمة يضع عبئًا مضاعفًا على بقية فئات المجتمع الإسرائيلي، خاصة في ظل الظروف الأمنية الحساسة.
تصريحات القائد الميداني التي نقلتها هيئة البث تكشف أن معدل الالتزام بالخدمة العسكرية لم يعد يتجاوز 50% فقط، وهو رقم يعبّر عن أزمة ثقة كبيرة داخل الجيش، ويعكس في الوقت نفسه خللاً في التوازن بين الفئات الاجتماعية المختلفة في إسرائيل.
شعور بالخذلان داخل المؤسسة العسكرية
بحسب ما أوردته قناة الجزيرة، فإن القائد الميداني شدد على أن الموارد المتاحة للجيش الإسرائيلي باتت محدودة، في وقت لا تبذل الحكومة أي جهد جاد لزيادة أعداد المقاتلين أو تحسين أوضاعهم. هذا الأمر ولّد شعورًا متناميًا داخل المؤسسة العسكرية بالخذلان، إذ يرى الجنود والقادة أن الدولة تتخلى عنهم لصالح أجندات سياسية تسعى لكسب ولاء الحريديم الذين يشكلون كتلة انتخابية مؤثرة في الحكومات المتعاقبة.
أزمة موارد وتراجع الجاهزية
تزامنت تصريحات القائد الميداني مع تقارير إسرائيلية أخرى تحدثت عن نقص كبير في الموارد البشرية والمادية للجيش. فالمؤسسة العسكرية التي طالما رُوّج لها باعتبارها الأكثر قوة وتنظيماً في المنطقة، تواجه اليوم أزمة عميقة تهدد قدرتها على تنفيذ المهام الموكلة إليها، خاصة مع انخراطها في معارك متواصلة على أكثر من جبهة.
النقص في الموارد البشرية، إلى جانب غياب خطط حكومية واضحة لزيادة التجنيد، جعل الجيش يعتمد بشكل أكبر على وحدات الاحتياط. غير أن الاستدعاءات المتكررة للجنود الاحتياط أثارت بدورها موجة من الاستياء الشعبي، خصوصًا بين الطبقات العاملة والمتوسطة التي تتحمل العبء الاقتصادي المباشر نتيجة التغيب عن العمل لفترات طويلة.
الحريديم بين السياسة والعسكر
الحكومة الإسرائيلية، التي تضم أحزابًا دينية متشددة، فضّلت الحفاظ على دعم الحريديم السياسي بدلًا من فرض التجنيد الإلزامي عليهم. هذا القرار السياسي قصير النظر انعكس سلبًا على التوازن الداخلي، حيث يشعر الجنود النظاميون أن دماءهم تُقدّم على مذبح الحسابات الحزبية، بينما يتمتع الحريديم بامتيازات واسعة دون المشاركة في الدفاع عن الدولة.
إن استمرار هذا الوضع لا يهدد فقط جاهزية الجيش الإسرائيلي، بل يضرب أيضًا أسس "التعاقد الاجتماعي" بين الدولة ومواطنيها، حيث يفترض أن تكون الخدمة العسكرية واجبًا وطنيًا مشتركًا لا يستثني أحدًا.
هل ينهار الإجماع حول الجيش؟
لطالما اعتُبر الجيش الإسرائيلي "بوتقة الصهر" التي تجمع مختلف مكونات المجتمع، وتُذيب الفوارق بينهم في خدمة هدف واحد هو حماية الدولة. لكن الأزمة الحالية تُظهر أن هذا الإجماع بدأ يتصدع بشكل خطير.
فمع انخفاض الالتزام بالخدمة العسكرية إلى النصف، ومع شعور القادة الميدانيين بالعزلة، يطرح السؤال نفسه: هل بات الجيش الإسرائيلي مجرد مؤسسة منقسمة داخليًا مثل بقية مؤسسات الدولة؟ وهل يمكن لجيش يفتقد الدعم الشعبي والسياسي المتوازن أن يستمر بالقوة ذاتها التي عرف بها سابقًا؟
انعكاسات خطيرة على الأمن الإسرائيلي
التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل في غزة والضفة الغربية ولبنان تفرض على الجيش أن يكون في كامل جاهزيته. لكن مع هذه الانقسامات الداخلية، يصبح من الصعب الحفاظ على صورة الجيش الذي لا يُقهر.
أكثر ما يُقلق القادة العسكريين هو أن استمرار الدعم الحكومي للحريديم قد يؤدي إلى عزوف المزيد من الشباب عن الخدمة، ما يفاقم أزمة التجنيد ويجعل الجيش أكثر اعتمادًا على التكنولوجيا والقوة النارية لتعويض النقص البشري، وهو خيار قد يثبت فشله في مواجهة حروب العصابات أو النزاعات طويلة الأمد.
تصريحات القائد الميداني التي نقلتها قناة الجزيرة لم تأتِ من فراغ، بل هي تعبير صريح عن أزمة ثقة داخل الجيش الإسرائيلي. فالحكومة التي تفضّل كسب أصوات الحريديم على حساب تقوية المؤسسة العسكرية، تُسهم في إضعاف أحد أهم ركائز وجود الكيان.
إن استمرار هذا النهج قد يقود إلى نتائج كارثية على المدى القريب والبعيد، ليس فقط على مستوى تماسك الجيش، بل على مستوى استقرار الدولة برمّتها. وربما تكون هذه الأزمة الداخلية أخطر على إسرائيل من أي تهديد خارجي تواجهه اليوم.









