الدوحة تحت القصف: كيف يغيّر استهداف قادة حماس قواعد الوساطة ومسار المفاوضات؟

profile
  • clock 9 سبتمبر 2025, 3:05:50 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
مقر اجتماع قيادات حماس الذي تعرض للقصف في الدوحة

متابعة: عمرو المصري

في تطور مفاجئ وخطير، نفذت إسرائيل غارة جوية استهدفت اجتماعًا لقيادات حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، حيث كانت تجرى مباحثات تتعلق بمقترح للرئيس دونالد ترامب بشأن التهدئة وإجراءات تبادل أسرى. وأفادت وكالات أنباء وشهود بسماع انفجارات متتالية وتصاعد أعمدة دخان في حي كتارا بالعاصمة، بينما أعلنت إسرائيل أن الضربة استهدفت «قمة قيادة» لحماس.

ما زال هناك تضارب في الروايات حول الخسائر البشرية من جهة وهوية المصابين أو الشهداء من جهة أخرى، حيث تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن اغتيال قيادات بارزة مثل خليل الحية وزاهر جبارين، فيما نقلت مصادر حمساوية للجزيرة عن نجاة الوفد القيادي. وهذا التباين ينسجم مع نمط المعلومات المتضاربة الذي صاحَب الصراعات العسكرية منذ أكتوبر 2023.

القتالي والبياني

أصدر جيش الاحتلال بيانًا وصف فيه الاستهداف بأنه «عملية مركزة» بالتعاون مع جهاز الشاباك، وادعى أن القادة المستهدفين «مسؤولون عن مذبحة 7 أكتوبر وإدارة الحرب ضد إسرائيل»، مُشيرًا إلى أن الضربات نُفذت بأسلحة دقيقة للحد من الأضرار المدنية. هذا الخطاب التبريري يتكرر في بيانات الاحتلال عند تبرير ضرباته خارج أو داخل حدود غزة.

في المقابل أدانت قطر العملية بقوة ووصفتها باعتداء على سيادتها، فيما ظهرت روايات إعلامية متعددة ومتضاربة عن حجم الخسائر وهوية الأهداف. هذا التناقض الإعلامي يعكس حربًا نفسية وسياسية موازية للعمليات العسكرية، تسعى كل جهة عبرها لتشكيل الانطباع المناسب داخليًا وخارجيًا. 

آثار على الوساطة القطرية

تلعب قطر دور الوسيط الرئيسي في مفاوضات التهدئة بين حماس وإسرائيل برعاية أمريكية وقنوات اتصال دولية، وقدمت الدوحة خلال سنوات الأزمة مساحات تفاوض وسهّلت تبادل رسائل واتفاقات مؤقتة. استهداف اجتماع حماس على أراضيها يضع مصداقية الدوحة وحيادها على المحك، ويطرح سؤالًا مباشرًا حول قدرة الوسيط على ضمان حماية الاجتماعات الحساسة. 

الأثر العملي لهذا الخرق قد يكون تجميدًا فوريًا لملفات التفاوض، إذ ستطلب حماس ضمانات جديدة أو قد ترفض مواصلة الاجتماعات في بيئة تعتبرها غير آمنة، مما يعرقل مسارات كانت على شفا اتفاقات مرحلية لوقف النار وتبادل أسرى. كما أن الدوحة قد تواجه ضغوطًا داخلية وإقليمية وقانونية لرد فعل واضح على اختراق سيادتها. 

هل سترد حماس؟

الاختيار أمام حماس بين تصعيد عسكري واحتفاظ بخيارات التفاوض سيضعها في مأزق استراتيجي؛ فتصعيد انتقامي قد يوسع رقعة المواجهة ويضع شعوبًا ومدنًا أخرى في دائرة الخطر، بينما الامتناع عن الرد قد يُقرأ داخليًا وخارجيًا كاستسلام لسياسات استهداف القادة. تاريخيًا، أظهرت حماس قدرة على التكيف بين استراتيجيات المقاومة الميدانية والسياسية، لكن محاولة اغتيال قيادات في الخارج قد تدفع إلى ردود ردعية لأجل استعادة الردع والردع الرمزي. 

أي رد محتمل سيعتمد على حسابات داخلية وخارجية تشمل: قدرة الحركة على شن هجمات انتقامية محدودة دون الانزلاق إلى مواجهة إقليمية واسعة، وتوافر دعم من فصائل أو دول إقليمية، وحسابات الحلفاء الإقليميين الذين قد يضغطون لتهدئة الأمور حفاظًا على موازينهم. لذلك يتوقع المراقبون مسارات متدرجة بدلاً من رد واحد شامل فورًا. 

خيارات قطرية محتملة

قطر تواجه معضلة معقدة: إما أن ترد علنًا وتتصاعد الأزمة دبلوماسيًا وربما أمنياً، أو تحاول احتواء الموقف خلف الكواليس للحفاظ على دور الوسيط. من المرجح أن تطالب الدوحة بتفسير فوري من إسرائيل وعن جهات دولية مُحايدة، وأن تطالب بضمانات لصون سيادتها ومنع تكرار أي عملية على أراضيها. كما قد تطلب تعويضات سياسية أو أمنية، وتفعيل آليات أمنية مشتركة لحماية بعثاتها ووفودها. 

عمليًا، قد تتجه الدوحة إلى خطوات مؤقتة مثل تعليق أو إعادة جدولة المفاوضات، وتشديد الإجراءات الأمنية في محيط مقرّاتها، واللجوء إلى مجلس الأمن ومنظمات دولية لرفع صوتها دبلوماسيًا، مع احتمال استدعاء سفراء وتجميد بعض القنوات مع جهات تراها متورطة مباشرة أو بالتهاون. هذه الخطوات ستحاول حماية مكانة الوساطة دون حرق كل أوراقها أمام أمريكا والفصائل.

الموقف الأمريكي وإحراج القاهرة والدوحة

موقع واشنطن في هذه اللحظة حرج: فهي تعتمد على قطر كقناة تواصل مع حماس وفي الوقت نفسه حليفة رئيسية لإسرائيل. ثمة تقارير أولية تفيد بأن مسؤولين أمريكيين أُخبِروا قبل الضربة أو بعده بشكل سريع، لكن مدى اطلاع واشنطن أو منحها موافقة ضمنية يظل موضوع نقاش وقلق دولي. أي انكشاف على تعاون أو غضّ بصر أمريكي سيضر بمصداقية الوساطة الأمريكية ويزيد من الاتهامات بتواطؤ واشنطن في استهداف المسارات السياسية. 

الخيارات السياسية المتاحة أمام إدارة الرئيس دونالد ترامب تتراوح بين إدانة شكلية مع مواصلة التنسيق الأمني مع إسرائيل، أو خطوة أكثر حزمًا بمطالبة بتوضيحات وإجراءات تعويضية لقطر، وربما تأمين آليات وقائية تمنع تكرار انتهاك سيادة دولة مُتعاونة. أي خيار تختاره واشنطن سيكون ذا أثر مباشr على قدرتها على إعادة إطلاق مفاوضات التهدئة. 

سيناريوهات مستقبلية محتملة

تجميد المفاوضات وتصلب المواقف: في هذا السيناريو تتوقف المباحثات فورًا بينما تُعيد حماس تقييم ثقتها في الوساطة، وتتعامل الدوحة بحذر وتطالب بتعويضات أو إجراءات أمنية، ما يؤدي إلى تعثر طويل في مسار وقف النار. هذا الاحتمال مرتفع في حال ثَبُتت مسؤولية إسرائيل أو تزايدت الوقائع التي تُظهر تعمد استهداف قادة خلال مفاوضات.

تسوية جزئية مع ضوابط أمنية: قد تتوصل الأطراف إلى تسوية مرحلية شريطة فرض آليات ضمان أمنية (وجود مراقبين دوليين، أو حراسة مشتركة لمواقع الاجتماعات) تسمح باستئناف المحادثات بعد تهيئة مقرات آمنة وموثوقة. هذا المسار يتطلب ضغطًا دوليًا ووساطات سريعة من أمريكا ومؤسسات دولية. 

تصعيد عسكري محدود: قد تختار حماس أو فصائل أخرى تصعيدًا رداً على الضربة، يكون محدودًا ومسيّرًا لتجنب فتح جبهات إقليمية متعددة، لكنه كافٍ لرفع تكلفة أي مفاوضات في المدى القريب. هذا السيناريو محكوم بقدرة الفصائل والاعتبارات الإقليمية والدولية لمنع توسع الصراع. 

الهجوم في الدوحة يضع المنطقة أمام مفترق طرق: إما أن تُعاد صياغة آليات الوساطة بشروط جديدة تحمي اجتماعات التفاوض وتُبقي قنوات الاتصال مفتوحة، وإما أن تتجه الأطراف إلى انسداد تفاوضي يزيد من احتمالات التصعيد ويقوّض أي أفق لوقف دائم لإطلاق النار. ما يحدث الآن سيحدد إن كانت الدبلوماسية—وبالأخص الدور القطري والأمريكي—ستنجح في احتواء الأزمة أم ستتحول الضربة إلى نقطة انطلاق لتصعيد إقليمي أوسع.

التعليقات (0)