-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
التسليح الإسرائيلي لميليشيات محلية في غزة: الأبعاد والدلالات
التسليح الإسرائيلي لميليشيات محلية في غزة: الأبعاد والدلالات
-
5 يونيو 2025, 12:26:00 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
جيش الاحتلال
تحليل عسكري–أمني–استخباري
بقلم: رامي أبو زبيدة – الباحث في الشأن العسكري والأمني
في تطوّر غير مسبوق، كشفت تقارير عبرية، وعلى رأسها ما أعلنه الوزير أفيغدور ليبرمان، عن قيام إسرائيل بتسليح ميليشيا محلية في قطاع غزة يقودها شخص يُدعى "ياسر أبو شباب"، في سابقة تحمل دلالات خطيرة على الصعيد العسكري والأمني والاستخباري. خطوة تسليح مجموعات فلسطينية محلية – تعمل في مناطق تحت الاحتلال العسكري المباشر جنوب قطاع غزة – لا تُعدّ مجرد تكتيك طارئ في سياق الحرب الحالية، بل تمثل تحوّلاً استراتيجياً في العقيدة الأمنية الإسرائيلية تجاه القطاع، يهدف إلى تفكيك البنية الاجتماعية والعسكرية للمقاومة من الداخل، وتأسيس نموذج شبيه بتجربة "جيش أنطوان لحد" في جنوب لبنان.
ما كشفته المصادر يبيّن أن هذه الميليشيا تلقت أسلحة بعضها صادرته إسرائيل من حماس أثناء العمليات البرية، بما في ذلك بنادق كلاشنيكوف ومعدات عسكرية، وتم تسليمها مباشرة لعناصر "أبو شباب"، مقابل التزامهم بأدوار متعددة تشمل حماية قوافل المساعدات الإنسانية، توفير معلومات أمنية، والاشتباك ضد عناصر المقاومة عند الضرورة. وتنتشر هذه العناصر تحديدًا في منطقة رفح، وهي منطقة خضعت للسيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة، حيث يُسمح لهذه الميليشيا بالعمل في بيئة ميدانية تحت الإشراف الأمني الإسرائيلي المباشر، ضمن ترتيبات محكمة لا تخضع للجيش النظامي أو الكابينت الأمني، بل بإشراف مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وجهات أمنية خاصة.
دلالات هذه الخطوة أعمق من مجرد استخدام مرتزقة محليين، فهي تمثل محاولة إسرائيلية لإعادة تشكيل البيئة الأمنية في غزة من الداخل عبر تكوين "بنية أمنية بديلة" تنازع المقاومة على دورها، وتؤسس لسلطة ميدانية هجينة تلبس لباسًا فلسطينيًا ولكنها تعمل لخدمة أجندة الاحتلال. وهذا النموذج يقوم على توظيف الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في القطاع لاستقطاب فئات مهمشة أو طامحة إلى النفوذ، واستغلالها عبر المال والسلاح والزعامات المصطنعة، تمامًا كما فعلت إسرائيل في تجارب سابقة مع روابط القرى في الضفة الغربية أو العملاء في جنوب لبنان.
الأخطر أن هذا المشروع لا يعمل فقط على المستوى العسكري، بل ينخرط في حرب نفسية واستخبارية شاملة، حيث يتم تصوير هذه الميليشيات كجهات "منظمة ومسؤولة" تفرض الأمن وتحمي المساعدات، في مقابل تصوير المقاومة كطرف "فوضوي وغير منضبط"، وذلك لخلق شعور شعبي بالحنق والضيق من المقاومة، وشق وحدتها الداخلية. وقد ظهرت مؤشرات ميدانية عدة على خطورة هذا المخطط، من بينها صور لعناصر هذه العصابات وهم يرتدون زيًا عسكريًا ويحملون عتادًا جديدًا، إضافة إلى تورط بعضهم في عمليات سطو مسلح على قوافل المساعدات، قبل أن يتم دمجهم رسميًا ضمن هذه التشكيلات، بما يشير إلى وجود إدارة استخبارية خفية تقود هذا الفلتان وتوجهه لأهداف محددة.
من الواضح أن إسرائيل لا تهدف فقط إلى محاربة حماس عسكريًا، بل إلى ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة عبر تصدير الفوضى، وتغذية النزاعات الأهلية، وتقديم بديل "محلي عميل" يتحدث لغة السكان ويظهر كأنه جزء من النسيج الاجتماعي، بينما هو في الحقيقة أداة احتلالية بأجندة خبيثة. هذه المحاولة تحمل بذور حرب أهلية ناعمة تسعى لتفكيك النسيج الوطني، وضرب مركز ثقل المقاومة، وسحب البساط من تحت أقدام أي حكم مقاوم.
التعامل مع هذا التهديد لا يمكن أن يكون أمنيًا فقط، بل يجب أن يكون شاملًا على الصعيدين الشعبي والإعلامي، بتفكيك الحاضنة الاجتماعية لهذه العصابات، وفضح ارتباطها بالاحتلال، وتجريم كل من يتعاون معها أو يغطي تحركاتها. كما يجب على المقاومة أن تتعامل مع هذه الظاهرة كتهديد وجودي، لا يهدد الجبهة الداخلية فحسب، بل يفتح بابًا واسعًا أمام التدخل الإسرائيلي المباشر في تشكيل الواقع الداخلي للقطاع.
إن المشروع الإسرائيلي القائم على تسليح ميليشيات محلية في غزة ليس تفصيلًا ثانويًا في معادلة الصراع، بل هو محاولة لتغيير قواعد اللعبة من خلال "حرب بالوكالة" داخلية، تديرها تل أبيب من خلف الستار، بأيدٍ فلسطينية، ودماء فلسطينية، وباسم "الاستقرار الإنساني". إنها حرب ناعمة بخلفية دموية، والوعي بها ومواجهتها بات ضرورة وطنية ملحّة، قبل أن تتكرس كأمر واقع.








