-
℃ 11 تركيا
-
1 أكتوبر 2025
الإغلاق الحكومي يعود إلى واشنطن بعد سبع سنوات من الغياب.. ماذا يعني ذلك؟
الإغلاق الحكومي يعود إلى واشنطن بعد سبع سنوات من الغياب.. ماذا يعني ذلك؟
-
1 أكتوبر 2025, 11:07:47 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الإغلاق الحكومي يعود مجددا إلى الولايات المتحدة
متابعة: عمرو المصري
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً تنفيذ الإغلاق الحكومي، وذلك بعد فشل مجلس الشيوخ في تمرير مشروع قانون مؤقت لتمديد سقف التمويل الفيدرالي. هذه الخطوة تمثل أول إغلاق حكومي منذ قرابة سبع سنوات، وتضع واشنطن أمام أزمة سياسية جديدة تزيد من حدة الانقسام بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ومع حلول منتصف ليل الثلاثاء، وهو الموعد النهائي لنهاية السنة المالية، لم يتمكن الكونغرس من تمرير تشريع يضمن استمرار عمل الإدارات الفيدرالية، ما يعني أن الحكومة استيقظت الأربعاء على واقع مشلول جزئياً سيؤثر على قطاعات واسعة من الخدمات العامة.
وفي رسالة استباقية، قدّر مكتب الموازنة في الكونغرس أن نحو 750 ألف موظف فيدرالي سيتوقفون مؤقتاً عن العمل يومياً بسبب الإغلاق، بتكلفة مالية تصل إلى نحو 400 مليون دولار يومياً. ورغم أن الجيش الأمريكي سيواصل عمله في الظروف الاستثنائية، إلا أن أفراده لن يتقاضوا رواتبهم إلى أن ينتهي الإغلاق. وبذلك، فإن الأزمة الحالية لا تمثل مجرد عجز إداري، بل تتعداه إلى أزمة ثقة سياسية تضرب مؤسسات الدولة الأمريكية في عمقها.
كيف حدث الإغلاق؟
يعود الإغلاق في جوهره إلى عجز الحزبين الرئيسيين عن التوصل إلى صيغة توافقية لتمويل الحكومة لما بعد شهر أكتوبر/تشرين الأول. الجمهوريون، رغم سيطرتهم على مجلسَي الكونغرس، لم يتمكنوا من حشد الأصوات المطلوبة في مجلس الشيوخ، إذ حظي مشروع القانون بدعم 55 صوتاً مقابل 45 صوتاً ضده، بينما يحتاج تمريره إلى 60 صوتاً من أصل 100. هذا الواقع منح الديمقراطيين ورقة ضغط قوية، وسمح لهم بعرقلة المشروع لحين التوصل إلى صيغة أكثر قبولاً لمطالبهم.
زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، الجمهوري جون ثون، شنّ هجوماً على الديمقراطيين، متهماً إياهم بعرقلة مشروع القانون لأغراض حزبية ضيقة، مؤكداً أن المشروع كان كفيلاً بإبقاء الحكومة مفتوحة. لكن زعيم الأقلية الديمقراطية، تشاك شومر، رد بأن الجمهوريين "يميلون إلى الكذب" في مقاربتهم للملف، ما زاد من حدة المواجهة السياسية والإعلامية.
جوهر الخلافات بين الحزبين
الخلاف الأساسي يتمثل في أن الجمهوريين يريدون تمديداً قصير المدى لمستويات الإنفاق الحالية، معتبرين أن إدارة ترامب قد نجحت بالفعل في تقليص حجم الحكومة والإنفاق دون الحاجة إلى تفاهمات جديدة مع الكونغرس. الجمهوريون يرون أن أي نقاش إضافي حول زيادة النفقات أو تقديم إعفاءات جديدة للمهاجرين أو الفئات الفقيرة، لا يعدو كونه محاولة لفرض أجندة ديمقراطية على حساب الانضباط المالي.
في المقابل، يرفض الديمقراطيون تمرير أي مشروع قانون يتجاهل أولوياتهم، وعلى رأسها دعم الرعاية الصحية، وتمديد الإعفاءات الضريبية التي تساعد ملايين الأمريكيين على تحمّل تكاليف التأمين الصحي. كما يرفضون التخفيضات التي أجراها ترامب في برامج "ميديكيد" والرعاية الطبية، إضافة إلى اعتراضهم على خفض موازنات مراكز السيطرة على الأمراض والمعاهد الوطنية للصحة. هذا الصراع يعكس مواجهة أيديولوجية أعمق بين رؤية جمهورية تميل إلى تقليص الدولة ورؤية ديمقراطية تسعى لتوسيع مظلة الرعاية الاجتماعية.
800 ألف موظف في إجازة بلا أجر
الإغلاق لن يشلّ عمل الحكومة بالكامل، إذ ستستمر الخدمات الأساسية مثل حماية الحدود والرعاية الطبية العاجلة وإنفاذ القانون ومراقبة الحركة الجوية. لكن ما يقارب 40% من العاملين في الحكومة الفيدرالية، أي أكثر من 800 ألف موظف، سيُمنحون إجازة مؤقتة بلا أجر. وقد تعود بعض هذه الرواتب بأثر رجعي كما حدث في أزمات سابقة، لكن الضرر المعنوي والاقتصادي سيبقى قائماً.
الخدمات غير الأساسية ستكون الأكثر تضرراً، مثل برنامج المساعدات الغذائية، وإصدار القروض الطلابية، وخدمات رياض الأطفال الممولة فيدرالياً، والتفتيش على الأغذية، إضافة إلى إغلاق محتمل للمتنزهات الوطنية. أما برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، فستستمر مدفوعاتها، لكن خدمات التحقق من الاستحقاق أو إصدار البطاقات قد تتوقف، كما أعلنت مكتبة الكونغرس استعدادها للإغلاق. وفي حال طالت الأزمة، قد يتأثر السفر أيضاً بسبب غياب الموظفين غير المدفوعي الأجر.
البيت الأبيض وموقف ترامب
المثير في هذه الأزمة أن إدارة ترامب تبدو أقل قلقاً من الإغلاقات الحكومية مقارنة بالإدارات السابقة. ففي حين كان يُنظر إلى الإغلاقات الطويلة كأزمة سياسية تهدد صورة الرئيس، فإن فريق ترامب يرى فيها فرصة لتسريع عملية تقليص حجم الحكومة. بعض المسؤولين ذهبوا إلى حد التلويح باستغلال الأزمة لتسريح "العمال غير الأساسيين" بشكل دائم، ما يعكس توجهاً أعمق لإعادة هيكلة الجهاز الإداري الفيدرالي.
ترامب، الذي أمضى الأشهر التسعة الماضية في تنفيذ تخفيضات واسعة للإنفاق ودفع الموظفين للاستقالة، يرى في الإغلاق وسيلة لاختبار حدود سلطته وتعزيز مشروعه القائم على حكومة أصغر وأكثر خضوعاً لرؤيته السياسية. وهو بذلك يحاول تحويل الأزمة من عبء سياسي إلى أداة ضغط لإعادة تشكيل الدولة على المدى الطويل.
الأثر الاقتصادي المحتمل
يعتمد حجم الأثر الاقتصادي للإغلاق على مدته واتساع نطاقه. محللون يقدّرون أن استمرار الإغلاق أسبوعاً واحداً قد يخفض معدل النمو الاقتصادي بين 0.1 و0.2 نقطة مئوية، مع إمكانية تعويض بعض الخسائر بعد استئناف العمل. لكن الخطر الأكبر يكمن في أن هذه المرة قد تكون مختلفة، إذ يهدد ترامب بطرد بعض الموظفين بشكل نهائي، ما يعني أن الأضرار قد تكون طويلة الأمد.
إلى جانب ذلك، فإن الاقتصاد الأمريكي يواجه بالفعل سلسلة من الاضطرابات، بدءاً من الحروب التجارية والتعريفات الجمركية، مروراً بالتخفيضات السابقة في الإنفاق الحكومي، وصولاً إلى تداعيات الذكاء الاصطناعي ومداهمات الهجرة. وفي حال تعطلت التقارير الاقتصادية الأساسية مثل تقرير الوظائف الشهري، فإن القلق سيتسرب سريعاً إلى أسواق المال و"وول ستريت".
تاريخ الإغلاقات الحكومية
منذ عام 1980 شهدت الولايات المتحدة 15 إغلاقاً حكومياً، معظمها قصير الأمد لا يتجاوز أياماً قليلة. الرئيس رونالد ريغان واجه ثمانية إغلاقات في الثمانينيات، لكنها لم تترك أثراً كبيراً على الاقتصاد. أما في عهد ترامب نفسه، فقد شهدت ولايته الأولى ثلاث إغلاقات، بينها الأطول في تاريخ أمريكا بواقع 35 يوماً بسبب الخلاف حول تمويل جدار المكسيك، وهو ما كلف الاقتصاد نحو 11 مليار دولار، بينها 3 مليارات لم تُستعد أبداً.
هذه الإغلاقات تكشف خصوصية التجربة الأمريكية، حيث يؤدي فشل التوافق بين الكونغرس والبيت الأبيض حول الموازنة إلى تعطيل العمل الحكومي، بخلاف أنظمة سياسية أخرى تجعل التصويت على الموازنة بمثابة تصويت على الثقة في الحكومة. وبهذا، يصبح الإغلاق انعكاساً مباشراً لانقسام المؤسسات الأمريكية وتوزع السلطات بينها، لكنه في النهاية يلقي بأعبائه على ملايين الموظفين والمواطنين العاديين الذين يجدون أنفسهم عالقين في معركة سياسية لا تنتهي.










