-
℃ 11 تركيا
-
1 أكتوبر 2025
احتجاجات جيل Z تهز مدن المغرب بين مطالب الإصلاح ومواجهة القبضة الأمنية
احتجاجات جيل Z تهز مدن المغرب بين مطالب الإصلاح ومواجهة القبضة الأمنية
-
1 أكتوبر 2025, 12:54:59 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
احتجاجات جيل Z تهز مدن المغرب
متابعة: عمرو المصري
شهدت عدة مدن مغربية خلال الأيام الماضية موجة من الاحتجاجات الشبابية التي نظمتها مجموعات مستقلة من الشباب، وفي مقدمتها حركة "جيل زد 212". وجاءت هذه المظاهرات على خلفية تصاعد الغضب الشعبي من أوضاع قطاعَي الصحة والتعليم وتفشي الفساد، في وقت تتجه فيه الدولة لتخصيص مبالغ طائلة من أجل التحضير لاحتضان كأس العالم 2030 وبناء الملاعب والبنى التحتية المرتبطة به. وانتشرت المظاهرات في مدن بارزة مثل الرباط والدار البيضاء ووجدة والجديدة، حيث رفع المحتجون شعارات واضحة ترفض صرف الأموال على الرياضة في ظل تردي الخدمات الأساسية، من بينها "ما بغيناش كأس العالم"، و"الصحة أولاً"، و"لا صحة لا تعليم، هذا مغرب الله كريم".
حركة جيل زد
تشكلت الحركة التي قادت هذه الاحتجاجات من خلال منصة "ديسكورد"، وحملت اسم "جيل زد 212"، حيث وصفت نفسها بأنها فضاء للنقاش يجمع الشباب المستقل غير المرتبط بأي جهة سياسية. وقد جذبت المجموعة نحو 12 ألف عضو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأكدت أن هدفها الأساسي يتمثل في المطالبة بإصلاح نظام التعليم وخدمات الصحة العامة في المغرب. وتمثل "جيل زد" الفئة العمرية بين مواليد 1997 و2012، وهي جيل نشأ في ظل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ما جعلهم أكثر وعياً بالقضايا الاجتماعية والسياسية وأكثر قدرة على التنسيق الرقمي السريع للاحتجاجات.
ويرى المنتسبون لهذه الحركة أن الاستثمار في الملاعب والبنى التحتية المخصصة لمونديال 2030 يمثل إهداراً للأموال العامة، في وقت يعيش فيه ملايين المغاربة أزمات مع المستشفيات العامة ونقص الأطباء وضعف جودة التعليم، إلى جانب شكاوى متصاعدة من تفشي الفساد. وبهذا المعنى، فإن "جيل زد" يسعى إلى قلب الأولويات الوطنية من خلال التركيز على الإنسان والخدمات الاجتماعية بدلاً من الإنجازات الاستعراضية.
توقيفات ومواجهة أمنية
قوبلت هذه المظاهرات بتدخل أمني واسع، حيث أكد ناشطون أن قوات الأمن قامت بتوقيف عدد كبير من الشبان في مدن مختلفة مثل الرباط والدار البيضاء وأكادير. وأفادوا بأن السلطات منعت المحتجين من الوصول إلى الساحات العامة مثل ساحة باب الأحد في العاصمة الرباط، واعتقلت العشرات منهم قبل أو خلال التجمعات. ووفق ما ذكر حكيم سيكوك، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الرباط، فقد تم توقيف أكثر من 70 شخصاً في وقفتين احتجاجيتين، مع الإفراج عن بعضهم لاحقاً بعد التحقق من هوياتهم.
وأوضح سيكوك أن تعامل الدولة مع هذه الموجة الاحتجاجية اتسم بمقاربة أمنية بحتة، تضمنت استخدام العنف لتفريق المتظاهرين وتنفيذ اعتقالات ممنهجة. كما اعتبر أن منع المحتجين من التوجه إلى أماكن المظاهرات قبل موعدها يمثل خرقاً واضحاً للالتزامات الدولية التي وقّع عليها المغرب، إلى جانب الدستور المغربي الذي يضمن الحق في التظاهر السلمي. وفي المقابل، لم يصدر أي تعليق رسمي من السلطات حول هذه الاعتقالات أو حول خلفية التعامل الأمني الصارم.
وأثارت هذه التطورات ردود فعل واسعة من الهيئات النقابية والحقوقية، حيث دعا الاتحاد المغربي للشغل في بيان رسمي إلى احترام الحريات العامة وحق المواطنين في التظاهر السلمي باعتباره مكسباً دستورياً لا يقبل التراجع، محذراً من خطورة التضييق على أشكال التعبير السلمي. وطالب الاتحاد الحكومة باتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة جذور الأزمة الاجتماعية، معتبراً أن استمرار الوضع الحالي يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي.
أصوات تدعو للحوار
على الجانب الآخر، يرى نشطاء حقوقيون أن المقاربة الأمنية لن تكون قادرة على معالجة الأزمة المتصاعدة. فقد قال عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن قطاعَي الصحة والتعليم يعيشان حالة انهيار وتراجع حاد في الخدمات، وإن الدولة لم تقدّم سوى "مسكنات" لا ترقى لمستوى الإصلاح الحقيقي. وأضاف أن السلطات أهدرت أموالاً طائلة على هذه القطاعات من دون أن يشعر المواطن بتحسن ملموس، وهو ما عزز شعور الشباب بالخيبة والغضب.
وشدد تشيكيطو على أن الخيار الصحيح يكمن في فتح حوار مباشر مع الشباب المحتج والاستماع إلى مطالبهم، بدلاً من اعتماد المقاربة الأمنية التي لا تزيد الوضع إلا توتراً. وأوضح أن الإصلاح المطلوب يجب أن يكون ذا شقين: إصلاحات عاجلة لاحتواء الأزمة الاجتماعية، وإصلاحات طويلة المدى تعيد الثقة بين المواطن والدولة.
ومن جهته، علّق رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني على الاحتجاجات عبر تدوينة قال فيها إن ما تشهده المدن المغربية يمثل مؤشراً واضحاً على ضرورة أن تغيّر الحكومة أسلوب عملها وخطابها السياسي. واعتبر أن هذه الموجة الاحتجاجية تكشف حجم القلق الاجتماعي في البلاد نتيجة تزايد نسب البطالة وتدهور الأوضاع المعيشية، داعياً الحكومة الحالية إلى تبني سياسات أكثر صراحة وشفافية مع المواطنين وإجراءات عملية تعيد الثقة.
أرقام صادمة
تعكس المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الوضع الصعب الذي يعيشه المغرب. فوفق الإحصاءات الرسمية، بلغ معدل البطالة 12.8%، وهو رقم مرتفع خاصة بين الشباب. كما أن الحكومة كانت قد تعهدت في أبريل الماضي برفع الحد الأدنى للأجور إلى 4 آلاف درهم (نحو 450 دولاراً)، لكن ذلك لم ينعكس بعد بشكل ملموس على معيشة الفئات الضعيفة.
أما في قطاع الصحة، فقد احتل المغرب المرتبة 94 من أصل 99 دولة في مؤشر "نامبيو" للرعاية الصحية لعام 2025، حيث لا يتجاوز عدد الأطباء أربعة لكل عشرة آلاف نسمة، وهو أقل بكثير من المعدلات الدولية. وفي قطاع التعليم، صنف المنتدى الاقتصادي العالمي المغرب في المرتبة 101 عالمياً والتاسعة عربياً في جودة التعليم، بينما وضعه مؤشر المعرفة العالمي في المرتبة 98 من أصل 141 دولة.
ورغم أن رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش شدد في أكثر من مناسبة على أن حكومته قامت بعمل كبير لإصلاح قطاع الصحة والتعليم، بما في ذلك إقرار قوانين جديدة ورصد ميزانيات إضافية، إلا أن الواقع على الأرض – كما يرى المحتجون – لا يزال بعيداً عن الطموحات، خصوصاً بعد حوادث مأساوية مثل وفاة ثماني حوامل في مدينة أغادير، والتي سلطت الضوء على هشاشة البنية الصحية.










