خطة ترامب الجديدة بين الفشل الأوكراني وإعادة إنتاج السيطرة الإسرائيلية

profile
  • clock 30 سبتمبر 2025, 11:37:17 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

حين وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبادرته بشأن غزة بأنها «قد تكون من أعظم الأيام في تاريخ الحضارة»، بدا واضحًا أن لغة المبالغة التي يتقنها عادةً وجّهت النقاش نحو تضخيمٍ لا يعكس حقيقة ما تحمله الخطة من إشكالات عميقة. فالمقترح المكوَّن من 20 بندًا لا يقدّم حلولًا جذرية بقدر ما يرسّخ معادلة قديمة بثوب جديد: وقف مؤقت للنار مقابل شروط أمنية وسياسية تجعل غزة رهينة لوصاية دولية تُدار عمليًا وفق الشروط الإسرائيلية.

الإدارة الأمريكية اعتبرت الخطة أكثر جدية واتساعًا من كل ما طرحته منذ بدء العدوان على غزة، إذ تتضمن وقفًا لإطلاق النار، وتبادلًا للأسرى، وانسحابًا مرحليًا للجيش الإسرائيلي، مع نزع سلاح المقاومة وإقامة إدارة انتقالية تحت إشراف دولي. على الورق تبدو هذه البنود محاولة لتصوير «حل متكامل»، لكن عند التدقيق يظهر أن الفلسطينيين غُيّبوا تمامًا عن صياغة الخطة، وأن جوهرها ينحصر في تخييرهم بين تسليم أدوات المقاومة أو مواجهة حرب إبادة مستمرة.

درس أوكرانيا الغائب

تجربة ترامب في الملف الأوكراني تكشف نمطًا متكررًا: وعود كبيرة، مؤتمرات إعلامية، وحديث عن انفراج وشيك، لكن دون نتائج فعلية، بل مزيد من الدماء والخراب. في الحالتين، أوكرانيا وغزة، تجاهلت الإدارة الأمريكية القوى الحقيقية الفاعلة على الأرض، وأسقطت من حسابها العوامل التاريخية والسياسية التي تجعل التسويات السطحية عاجزة عن الصمود. وهو ما يثير التساؤل: هل تعلّم ترامب فعلًا من فشل أوكرانيا، أم أنه يعيد تدوير الأسلوب نفسه بأدوات أكثر زخرفة إعلامية؟

الأهداف الإسرائيلية خلف الستار

نتنياهو سارع إلى إعلان دعمه للخطة الأمريكية، لكنه لم يخفِ جوهر موقفه: استعادة الأسرى، تفكيك البنية العسكرية لحماس، وإنهاء حكمها السياسي، وضمان أن غزة «لن تشكّل تهديدًا مجددًا لإسرائيل». أي أن ما يصفه ترامب كـ«سلام تاريخي» ليس سوى إعادة صياغة للأهداف الإسرائيلية التي لطالما سعت لتجريد غزة من أي قدرة على المقاومة وتحويلها إلى منطقة منزوع السيادة تحت رقابة دائمة.

واللافت أن نتنياهو بارع في استخدام مثل هذه المبادرات لصالحه: يقدّم نفسه كمتجاوب أمام البيت الأبيض، فيما يراهن على أن حماس سترفض الشروط التعجيزية، فيجد المبرر لاستكمال حربه بغطاء أمريكي جديد. وحتى إذا وافقت حماس، فإن سجل نتنياهو في التنصل من التعهدات يجعل من السهل عليه إفراغ الاتفاق من محتواه.

ألغام في طريق التنفيذ

الخطة تحمل بنودًا تُقدَّم كضمانات لكنها عمليًا ألغام قابلة للانفجار:

72 ساعة لتسليم الأسرى: مطلب غير واقعي يجرّد حماس من ورقة ضغطها الأساسية. وهو ما يدفع كثيرين للاعتقاد بأن الهدف هو توفير ذريعة مبكرة لإفشال الخطة واستئناف الحرب.

إدارة انتقالية دولية: فكرة «مجلس سلام» يرأسه ترامب عمليًا، بمشاركة شخصيات مثيرة للجدل مثل توني بلير، تُذكّر الفلسطينيين بتاريخ الاستعمار البريطاني وتعيد إنتاج الوصاية بدل السيادة.

نزع سلاح المقاومة: الشرط الأخطر الذي يحوّل المقاومة إلى نشاط غير مشروع قانونيًا وسياسيًا، ما يفتح الباب لاعتقالات واستهدافات تحت غطاء دولي.

كما أن إدخال قوى دولية أو عربية إلى المشهد الأمني يعني عمليًا توسيع دائرة التنسيق مع إسرائيل أكثر من كونه حماية للفلسطينيين، خاصة في ظل تجارب سابقة أظهرت محدودية صلاحيات مثل هذه القوات.

مأزق الثقة والشرعية

أصوات فلسطينية بارزة مثل مصطفى البرغوثي حذّرت من أن الخطة مليئة بـ«ألغام» يمكن أن تُفشلها سريعًا. فحتى إذا جرى تبادل الأسرى، ما الذي يضمن أن إسرائيل لن تستأنف عدوانها بعد ذلك؟ غازي حمد، عضو المكتب السياسي لحماس، قال بوضوح إن محاولات اغتياله هو وقيادات أخرى خلال التفاوض تكشف أن نتنياهو ليس جادًا في أي مسار سلام. وفوق ذلك، كيف يمكن لخطة لم يستشر فيها الفلسطينيون أصلًا أن تدّعي أنها تمثل مخرجًا سياسيًا لهم؟

سلام على المقاس الإسرائيلي

المبادرة الأمريكية تبدو في ظاهرها فرصة لإنهاء حرب مدمرة، لكنها في حقيقتها تضع الفلسطينيين أمام خيارين: القبول بنزع سلاحهم والعيش تحت وصاية دولية مرتبطة بالاحتلال، أو رفض الخطة ومنح إسرائيل مبررًا لمواصلة حرب الإبادة. وبين هذين الخيارين، تضيع القضية الفلسطينية مرة أخرى في لعبة مساومات دولية لا تبحث عن العدالة ولا عن الحقوق، بل عن تسوية ميدانية تحفظ لإسرائيل مكاسبها وتمنح ترامب فرصة استعراض جديدة على المسرح العالمي.

التعليقات (0)