لا دولة فلسطينية والجيش باق في معظم غزة.. نتنياهو يكشف حقيقة خطة ترامب

profile
  • clock 30 سبتمبر 2025, 11:14:22 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

تقدّم الخطة الأمريكية الأخيرة لإنهاء الحرب على غزة نفسها كخريطة سلام من 21 بندًا، لكنها عمليًا تمثّل إعادة هندسة أمنية وسياسية للقطاع تصبّ في هدفين متلازمين يخدمان المصلحة الإسرائيلية: إحكام السيطرة الأمنية على غزة ومن ثم خفض أي قدرة فلسطينية على المقاومة أو الحياة السياسية المستقلة. تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تكشف النقطة المحورية: الموافقة المشروطة التي ربطت انسحابًا شكليًا ببقاء فعلي للجيش في «معظم أنحاء غزة»، ونفي قاطع لأي بند يعترف بدولة فلسطينية.

في تغريدة على تيليغرام أعلن نتنياهو: «سنستعيد جميع رهائننا، أحياء وبصحة جيدة، بينما سيبقى (الجيش الإسرائيلي) في معظم أنحاء قطاع غزة». وأضاف صراحةً: «لم أوافق على إقامة دولة فلسطينية وهذا ليس مكتوبا بالاتفاق». وهذه الجملة تكشف جوهر التبادل: وعدٌ بتحرير أسرى مقابل صيغة إدارة للقطاع لا تفوّض سيادته لأي كيان فلسطيني مستقل.

في المقابل، صاغت الخطة الأمريكية مكاناً مركزياً لشروط «نزع السلاح» و«قوة دولية استقرار مؤقتة» و«إدارة تقنية دولية»، مع بنود تشجّع بوضوح على بقاء السكان إن اختاروا ذلك. لكن هذه الدعوة للبقاء ليست تعهدًا بحماية الحقوق والسيادة؛ إنها وسيلة لاحتواء السكان داخل إطار رقابي أمني وسياسي يحدّ من أي خيار شعبي أو سياسي حقيقي.

لماذا الخطة تترجم هدف إسرائيل العملي: إبقاء السيطرة أو دفن القضية

ربط الانسحاب بنزع السلاح
معظم عناصر الخطة تشترط نزع سلاح حركة حماس والفصائل كشرط مسبق للانسحاب وتسليم المساحات للـ«قوة الدولية». ربط الانسحاب بهذه الآلية يجعل تنفيذ الخطة مرهونًا بفحوص تحقيق وتعقيدات ميدانية تسهل على إسرائيل تأجيل أو إلغاء أي انسحاب بدعوى «فشل التحقق» أو استمرار التهديد.

بقاؤ الجيش في «معظم أنحاء غزة»
تصريحات نتنياهو تحدد حقيقة الخطة: انسحاب شكلي يرافقه تواجد أمني دائم. هذا التواجد يضمن قدرة إسرائيل على التحكم في الحركة والاقتصاد والبنية التحتية — وبذلك يتحوّل الحديث عن «حكم مؤقت» إلى وصاية طويلة الأمد عمليًا.

قوات دولية ذات صلاحيات محدودة
الخطة تقترح نشر قوة دولية «استقرار» وقيادة أمنية دولية. تاريخيًا، مثل هذه القوات تُنشر بقدرات رقابية غالبًا لا تشمل صلاحيات قمعية أو ضربية فعالة، وتعمل بتنسيق استخباراتي وعملياتي مع إسرائيل. النتيجة المتوقعة: إدارة أمنية تخدم مصلحة إسرائيل في استهداف بنية المقاومة والحدّ من قدرتها على التنظيم، مع تحميل مجتمع الدعم الدولي مسؤولية «الشرطة الداخلية» بدلًا من معالجة الأسباب الجذرية للنزاع.

نزع الشرعية عن المقاومة
الخطة تربط بين إعادة الإعمار والاستقرار من جهة، ونزع شرعية التسلّح والمزايا السياسية للفصائل المسلحة من جهة أخرى. أيّ تصنيف للمقاومة كقوى «إرهابية» في إطار الاتفاق سيمنح غطاءً قانونيًا لحملات اعتقال واسعة واستهداف قيادات ومنظمات مدنية، ويعزل أي فاعلية سياسية لها.

آليات اقتصادية وقانونية لتثبيت الوضع الجديد
المقترح يتحدث عن مناطق اقتصادية، استثمارات، وصندوق لإعادة الإعمار تحت إشراف دولي. هذه الآليات تشكّل سِتْرَةً شرعية لفرض نمط إدارة لا تنبني على سيادة فلسطينية حقيقية، بل على إدارة تكنولوجية/اقتصادية تقطع الطريق أمام بناء مؤسسات سياسية مستقلة.

السيناريوهات الواقعية: اختيار بين إبادة أو إخضاع دائم

خلاصة التحليل أن الخطة تطرح عَلَنًا خيارَين عمليين أمام الفلسطينيين:

الخيار الأول: إبادة موسَّعة أو ضغطٍ عسكري يدفع نحو تفريغٍ ديموغرافي كلي أو جزئي، وهو ما بدا مرجّحًا في مراحل الحرب حين اتُخذت سياسات حصار وتجويع وتدمير بنى تحتية.

الخيار الثاني: إخضاع إداري وأمني طويل الأمد يُقوّض القدرة الفلسطينية على المقاومة والسياسة ويُحوّل القضية إلى ملف إنساني وتقني بلا أفق سياسي حقيقي—أي دفنٌ عملي للقضية ودولتها المستقبلية.

نتنياهو، بإصراره على «بقاء الجيش» وإنكاره لأي بند لدولة فلسطينية، كشف أن القبول الأمريكي ليس إملاءً لحقوق فلسطينية بل توافقًا على صيغة تمنح إسرائيل ما تصبو إليه: سلطة أمنية وحقًّا عمليًا في إعادة تصميم الحياة السياسية والاقتصادية في غزة بما يخدم مصالحها الإستراتيجية.

مخاطر التطبيق الميداني والسياسي

ذريعة للعودة إلى العمليات: أي خلل في آليات التحقق أو حادث ميداني قد يُستغل كذرائع لاستئناف القصف أو فرض حصار جديد، لأن قدرة القوة الدولية على الرد الفوري محدودة.

تقييد الحريات والانتقال: مناطق محظورة ونقاط تفتيش دولية داخلية ستقوّض الحركة المدنية والاقتصادية وتطوّق الحياة الاجتماعية والسياسية.

تطويق مشروع الدولة: حتى لو تضمن الاتفاق ذكرًا لمسارٍ «قيادي» للسلطة الفلسطينية، فإن التأجيل المتعمد لانتقال الصلاحيات واستمرار الوجود الأمني سيحول أي خطوة نحو الدولة إلى حلم بعيد المدى أو حصرٍ شكلي.

قانوننة القمع: تصنيف السلاح والمقاومة كقضايا «إرهاب» سيمنح الغطاء لتصفية فكرية وقانونية للقيادات والناشطين المدنيين.

خطة بغطاء إنساني لها أهداف استراتيجية إسرائيلية

ما يُقدم على أنه «مبادرة وقف حرب» يتبدّل عند فحصه عمليًا إلى إطار لفرض وصاية أمنية وسياسية على غزة. بدلاً من توفير مخرج سيادي للفلسطينيين، يصنع المقترح شبكة إجراءات تُبقي السلطة الحقيقية في أيدي منظومة أمنية إقليمية ودولية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمصالح الإسرائيلية. تصريحات نتنياهو عن «بقاء الجيش في معظم أنحاء غزة» وتنصيبه على عدم قبول دولة فلسطينية تعبّر بوضوح عن الوجه الحقيقي للخطة: ليست خطة سلام بل خطة إعادة تشكيل للواقع لصالح خيارين متقاربين الهدف — إبادة أو إخضاع دائم، وكلاهما يطيح بإمكانية حل سياسي قائم على الاعتراف والكرامة والسيادة الفلسطينية.

التعليقات (0)