تصريحات متضاربة بين النفي ورصد تقدّم حقيقي

الإعلام العبري بين التشكيك والتأكيد: هل فتحت حماس ثغرة في جدار المفاوضات؟

profile
  • clock 28 مايو 2025, 3:21:24 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
ستيفن ويتكوف (يمين) وخليل الحية وبنيامين نتنياهو (وكالات)

متابعة: عمرو المصري

تنوّعت ردود الفعل في وسائل الإعلام العبرية بشأن البيان الذي أصدرته حركة حماس يوم الأربعاء، والذي أعلنت فيه التوصل إلى "اتفاق إطاري عام" مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف لوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة، وتبادل للأسرى بضمانات دولية.

ففي الوقت الذي شكّكت فيه عدة قنوات إسرائيلية بصحة الإعلان، وقلّلت من جديته، ظهرت أصوات إعلامية إسرائيلية أخرى تعترف بوجود تقدّم ملموس في المحادثات.

المراسلة السياسية لقناة "كان"، جيلي كوهين، كشفت عن تقدير إسرائيلي رسمي يفيد بوجود تقدّم حقيقي في مسار المحادثات، واعتبرت أن إعلان حماس عن استعدادها لمناقشة مخطط جزئي يشير إلى رغبة حقيقية لدى الحركة في التقدّم نحو وقف إطلاق النار. هذا التصريح يُعدّ لافتًا ويعكس وجود تباين داخل الموقف الإسرائيلي بين دوائر سياسية مختلفة، ويمنح البيان الصادر عن حماس وزنًا سياسيًا لم يكن ظاهراً في التصريحات الأولى.

بيان حماس: اتفاق إطاري على وقف النار 

كانت حركة حماس قد أعلنت، في بيان رسمي، أنها توصّلت إلى اتفاق إطاري مع المبعوث الأميركي، يتضمن وقفًا دائمًا لإطلاق النار، وانسحابًا كاملاً من قطاع غزة، وتدفق المساعدات، بالإضافة إلى تشكيل لجنة مهنية لإدارة شؤون القطاع.

ويتضمّن الاتفاق، وفق البيان، الإفراج عن عشرة أسرى إسرائيليين وعدد من الجثامين، مقابل عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين، بضمان الوسطاء، مع انتظار الحركة ردًا نهائيًا على هذا الإطار.

هذا البيان، رغم ما يحمله من إشارات لتليين موقف الحركة، قوبل في بادئ الأمر بردود متحفظة من وسائل الإعلام والمسؤولين في إسرائيل، خصوصًا مع عدم صدور أي تعليق رسمي من الحكومة الإسرائيلية في الساعات الأولى.

إعلام عبري يرفض و"يسرائيل هيوم" تهاجم

في أولى ردود الفعل، نقلت القناة 13 العبرية عن مسؤول إسرائيلي أن المقترح الذي وافقت عليه حماس "غير مقبول لدينا، وغير مقبول كذلك للإدارة الأميركية"، معتبرًا أن الحركة تمارس "دعاية إعلامية وحربًا نفسية".

كما نقلت القناة 15 عن مصدر آخر قوله: "لا علم لنا بأي اتفاق أُبرم مع الإدارة الأميركية"، مضيفًا أن المقترح الوحيد المطروح هو نسخة معدّلة من "مقترح ويتكوف" الذي عُرض سابقًا في محادثات الدوحة، في إشارة إلى أن البيان لا يعكس تطورًا فعليًا.

صحيفة يسرائيل هيوم كانت الأكثر صرامة، إذ نقلت عن مسؤول حكومي أن المقترح الذي أعلنت حماس موافقتها عليه "لا يُلبي الحد الأدنى من متطلبات إسرائيل"، مضيفة أنه "ليس مقبولاً لا على إسرائيل ولا على الإدارة الأميركية"، دون أن تنفي أو تؤكد وجود تواصل فعلي بين الأطراف.

قناة "كان" تقلب المعادلة: التقدّم موجود

على خلاف هذا النمط التشكيكي، جاءت تصريحات قناة "كان" العبرية، التي استندت إلى مصادر سياسية إسرائيلية، لتقدّم قراءة مختلفة. فقد أكدت مراسلتها السياسية جيلي كوهين أن "هناك تقدماً حقيقياً في المحادثات"، مشيرة إلى أن إعلان حماس عن استعدادها لمناقشة مخطط جزئي "يعكس رغبة حقيقية في التقدم نحو وقف لإطلاق النار".

هذا التصريح يُعدّ تحولًا جوهريًا في المشهد الإعلامي العبري، إذ يعترف لأول مرة بأنّ البيان الصادر عن حماس قد لا يكون دعاية بل خطوة تفاوضية محسوبة ومدروسة، تعكس محاولة لكسر الجمود، وربما ردًا على تواصل فعلي خلف الكواليس مع واشنطن.

بين معطيات "الاختراق" وواقع "الإنكار"

رغم تضارب التصريحات الإسرائيلية، فإن البيان الحمساوي والتعليق الإيجابي لقناة "كان" يُظهران أن هناك ديناميكية تفاوضية فعلية تدور حاليًا بعيدًا عن الأضواء. وفيما تواصل إسرائيل استعداداتها لعمليات عسكرية واسعة، مثل عملية "عربات جدعون" واستدعاء أعداد ضخمة من الاحتياط، فإن هذا لا يُنهي بالضرورة احتمالية إنجاز اتفاق، بل قد يكون جزءًا من سياسة الضغط المتبادل، بانتظار أن تُنضج الظروف السياسية صفقة متوازنة.

الموقف الأميركي، رغم تردده الظاهر، يُشير إلى محاولة جادة لبناء سيناريو "مخرج تفاوضي" يُوقف الإبادة في غزة، ويضمن الإفراج عن الأسرى، ويُهيّئ لتفاهمات طويلة الأمد بشأن إدارة القطاع.

خلاصة الموقف: بيان حماس يُربك إسرائيل

ما بين نفي القنوات الإسرائيلية وجود اتفاق، وتصريحات قناة "كان" عن تقدم ملموس، يبدو المشهد معقدًا، لكن واضح أن إعلان حماس أحدث ارتباكًا فعليًا في الخطاب الإسرائيلي، وكسر بعض جمود المسار التفاوضي.

إذا ما استمرت الأطراف في مسار التواصل غير المعلن، فقد نشهد خلال الأيام المقبلة إما تثبيتًا لوقف إطلاق نار مؤقت ضمن صفقة تبادل مرحلية، أو عودة إلى التصعيد الشامل في حال فشل التوافق على الضمانات والشروط الجوهرية.

وفي كل الأحوال، يتبيّن من تعليقات الإعلام العبري أن "بيان حماس" لم يكن هامشيًا، بل كان كافيًا لجرّ المنظومة السياسية والإعلامية الإسرائيلية إلى تساؤلات جدية حول ما إذا كانت لحظة الاختراق قد حانت.

التعليقات (0)