-
℃ 11 تركيا
-
13 يونيو 2025
مصطفى خضري يكتب: أحمد الشرع والحاجب المنصور: وجهان لبراغماتيةٍ واحدة
أوجه التشابه والاختلاف بين الرجلين
مصطفى خضري يكتب: أحمد الشرع والحاجب المنصور: وجهان لبراغماتيةٍ واحدة
-
28 مايو 2025, 3:27:06 م
-
597
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أحمد الشرع
عندما نتأمّل في تاريخ الحُكّام نلحظ بروز بعض الشخصيات كأيقوناتٍ للبراغماتية والقدرة على التكيّف مع الظروف المتغيّرة. من بين هؤلاء، يبرز أحمد الشرع، الرئيس السوري المعترف به دوليًا منذ عام 2025، والحاجب المنصور محمد بن أبي عامر، الحاكم الفعلي للأندلس في القرن العاشر. ولم يقتصر التشابه بينهما على أساليب الحُكم، بل امتد ليشمل سماتٍ شخصية بارزة، من الكاريزما العسكرية إلى القدرة على تحويل الهزائم إلى انتصاراتٍ رمزية، وصولًا إلى بناء قاعدةٍ شعبيةٍ واسعة رغم الانقسامات الداخلية. في هذا المقال، نستعرض أوجه التشابه والاختلاف بين الرجلين.
أوجه التشابه الشخصية
1. التقارب العمري ومرحلة الوصول إلى السلطة
المنصور: تولّى الحكم الفعلي في الأندلس في أواخر الثلاثينيات من عمره (حوالي عام 978م)، حيث قاد ما يزيد عن خمسين حملةً عسكرية، مستفيدًا من شبابه وحيويته. على سبيل المثال، قاد حملةً كبرى ضد مملكة ليون، إحدى أقوى الممالك في أوروبا آنذاك، مما عزّز من سلطته ونفوذه.
الشرع: أصبح رئيسًا لسوريا في عام 2024 عن عمر 42 عامًا، بعد مسيرةٍ عسكرية بدأها كقائد لـ"هيئة تحرير الشام"، حيث نفّذ عملياتٍ ضد النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران. يُظهر هذا قدرة كليهما على تسريع الترقّي السياسي والعسكري في سنٍّ مبكرة، إذ نشأ الشرع في بيئةٍ مضطربة، وتمكّن من البروز كقائد خلال فترةٍ زمنيةٍ قصيرة.
2. الكاريزما والشعبية الشعبوية
المنصور: تميّز بجاذبيةٍ خطابيةٍ جعلت الجنود يقسمون بالولاء له شخصيًا لا للخليفة، وقد لُقّب بـ"سيف الإسلام" لشعبيته بين العامة. اعتاد التقدّم في مقدّمة الجيوش، مما عزّز من ثقة جنوده به ورفع من معنوياتهم.
الشرع: حظي بشعبيةٍ واسعةٍ بين جنوده وشرائح عديدة من المجتمع السوري والعربي، لا سيما بعد خطابه الشهير في حلب عام 2025، الذي وعد فيه بـ"إنهاء عصر الفساد". صورته وهو يُصلّي في المسجد الأموي دفعت أنصاره إلى تلقيبه بـ"أبي الثوار". كما استخدم وسائل التواصل الاجتماعي بفعاليةٍ، لا سيما "تيليغرام" و"تيك توك"، لنقل رسائله إلى جمهورٍ شابٍّ واسع.
3. ملامح القيادة: المرونة والعنف المحسوب
المنصور: جمع بين القسوة في قمع المتمرّدين، مثل الإعدامات العلنية، والكرم في مكافأة الموالين، كما أتقن فنّ المفاوضات. بعد قمع ثورة البربر، على سبيل المثال، وزّع الأراضي على الجنود وزعماء القبائل المخلصين.
الشرع: عُرف بـ"المرونة التكتيكية"، إذ قصف مواقع النظام السابق بعنف، لكنه أطلق سراح آلاف السجناء المقرّبين منه كبادرة مصالحة، كما تفاوض مع روسيا رغم خطابه المعادي لها سابقًا. أظهر قدرة على الاستجابة السريعة للأزمات، كما في تعامله مع احتجاجات إدلب.
أوجه التشابه السياسية والعسكرية
1. التحوّل من "الثوري" إلى "رئيس دولة"
المنصور: بدأ مسيرته كقاضٍ متمرّد، ثم أصبح وزيرًا وقائدًا عسكريًا تحت سلطة الخليفة، قبل أن يُضعف مؤسسة الخلافة ويحكم فعليًا من خلف الستار.
الشرع: انتقل من زعامة جماعةٍ مسلحة إلى رئاسة الدولة من خلال إعادة تموضعٍ أيديولوجي؛ إذ أعلن حلّ "هيئة تحرير الشام"، وأقرّ دستورًا مدنيًا. أظهر مهاراتٍ قيادية في إدارة الأزمات، مما أكسبه ثقة المجتمع الدولي تدريجيًا.
2. الرمزية الدينية والعسكرية
المنصور: جدّد مسجد قرطبة الكبير ليكون رمزًا لوحدة الأمة، وارتدى زي القادة العسكريين في المناسبات الرسمية، وحرص على حضور الصلوات، مما عزّز من صورته كقائدٍ دينيٍّ وعسكري.
الشرع: حوّل المسجد الأموي إلى رمزٍ لانتصاره، وظهر في أول خطابٍ له مرتديًا الزي العسكري المزيَّن بشعار "ثورة حتى النصر". كما استخدم الرموز الوطنية والدينية لترسيخ الانتماء لدى شرائح واسعة من الشعب السوري.
3. البراغماتية في تحالفات المتناقضات
المنصور: أقام تحالفاتٍ مؤقتة مع البربر والمسيحيين رغم خطابه المتشدّد، وتحالف مع بعض القبائل المسيحية لمواجهة تهديدات خارجية، ثم انقلب عليهم لاحقًا.
الشرع: عقد تحالفًا مع تركيا (العدو السابق) لإعادة إعمار الشمال السوري، ووافق على التفاوض بشأن الجولان مع الكيان الصهيوني تحت ضغطٍ أمريكي، كما توصّل إلى مصالحة مع النظامين السعودي والإماراتي رغم الخلافات المنهجية، مما يعكس براغماتيته السياسية.
الاختلافات الرئيسية
1. المرحلة العمرية أثناء المقارنة
بينما نستعرض صفات وسمات وخطوات الحاجب المنصور بعد وفاته عن عمر يقارب 65 عاما، وبعد أن خاض أكثر من 50 غزوة ملك فيها أكبر رقعة يصلها حكم المسلمين في الأندلس؛ فإن أحمد الشرع مازال في بداية مشواره في الحكم ولم تتضح بعد ماذا ستكون مسيرته وهل ستستمر أم لا!
2. السياق الدولي
واجه الشرع ضغوطًا دولية غير مسبوقة، مثل العقوبات الاقتصادية والمراقبة الإعلامية المكثفة، في حين حكم المنصور في عصرٍ أقلّ عولمة. كان الشرع، على سبيل المثال، مضطرًا إلى التعامل مع حزمٍ متتالية من العقوبات الغربية، أثّرت على سياساته الاقتصادية والداخلية.
3. الأدوات الإعلامية
اعتمد الشرع على أدوات العصر الرقمي، مثل "تيك توك" و"تليغرام"، للوصول إلى قاعدة جماهيرية واسعة، بخاصة من فئة الشباب، بينما استخدم المنصور الأدوات التقليدية كالشعراء وخطب المساجد لنقل رسائله وتعزيز صورته.
4. مصير النظام
انهارت دولة المنصور بعد وفاته بسنوات، نتيجة لتركيزه المفرط على السلطة الفردية، دون بناء مؤسساتٍ قادرة على الاستمرار. في المقابل، يسعى الشرع إلى تأسيس نظامٍ جديد عبر مؤسساتٍ لا تزال هشة، ومن المبكر الحكم على مدى قدرتها على البقاء، لكن إشاراته وتصريحاته تدل على محاولته تجنّب مصير المنصور من خلال ترسيخ قواعد مؤسساتية للحكم.
في النهاية إن أحمد الشرع والحاجب المنصور ليسا مجرّد قائدين عسكريين، بل شخصيتان استثنائيتان امتلكتا مزيجًا نادرًا من الكاريزما والبراغماتية، واستغلّتا الظروف التاريخية للوصول إلى الحكم. ورغم تشابه مسيرتيهما، تبقى النهاية مفتوحة؛ إذ قد تؤدي اختلافات السياقات والأزمنة إلى نتائج متباينة. فهل يقتضي النجاح في حكم المجتمعات المنقسمة بالضرورة قائدًا يجمع بين القسوة والجاذبية؟ ربما تبقى الإجابة غامضة، حتى بعد مرور ألف عام!






