إيران تلوّح بمضيق هرمز: قدرة مؤكدة وتهديد جدي يربك العالم ويضغط على واشنطن

profile
  • clock 14 يونيو 2025, 2:56:15 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

عادت التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز إلى الواجهة من جديد، في خضم التصعيد العسكري غير المسبوق بين طهران وتل أبيب. إذ كشف عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، إسماعيل كوثري، أن بلاده تدرس بجدية إغلاق المضيق، في خطوة من شأنها قلب موازين الأمن البحري والاقتصاد العالمي. 

ويُعد مضيق هرمز أحد أهم الممرات الملاحية في العالم، إذ تمر عبره حوالي ثلثا شحنات النفط المنقولة بحراً، مما يمنح إيران ورقة ضغط هائلة قد تستخدمها في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والغربية المتصاعدة.

شريان حيوي للطاقة العالمية

يُشكّل مضيق هرمز، الواقع بين إيران وسلطنة عُمان، شريان الحياة للطاقة العالمية، حيث لا يتجاوز عرضه عند أضيق نقطة 33 كيلومتراً، في حين لا تزيد ممراته الملاحية عن 3 كيلومترات لكل اتجاه. وتمر عبره صادرات النفط والغاز من دول مثل العراق، الكويت، البحرين، قطر، والسعودية، ما يجعل المضيق المنفذ البحري الوحيد لهذه الدول. 

في عام 2023، مرّ عبره نحو 30% من تجارة النفط العالمية، ذهبت 70% منها إلى آسيا، ولا سيما إلى الصين، التي تعتمد على واردات ضخمة من الطاقة الخليجية. كما تمر جميع صادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر والإمارات عبر المضيق، ما يمثل نحو خمس تجارة الغاز عالمياً، يذهب معظمها إلى الأسواق الآسيوية.

تجربة باب المندب.. إنذار مبكر

السيناريو الإيراني المحتمل يستدعي إلى الأذهان ما جرى في مضيق باب المندب، حيث أدّت هجمات جماعة أنصار الله اليمنية لإسناد المقاومة الفلسطينية في غزة منذ أواخر 2023 إلى اضطراب الملاحة في البحر الأحمر. فخلال شهرين فقط، تراجعت حركة السفن في خليج عدن بنسبة 50%، وبحلول منتصف 2024 انخفضت حمولة السفن المارة بنسبة 76%. 

هذه التداعيات امتدت إلى قناة السويس التي شهدت بدورها تراجعاً بنسبة 70% في الحمولة المارة، ما يعكس هشاشة الممرات البحرية أمام التهديدات الجيوسياسية. وإذا ما اجتمع التهديد في مضيقي هرمز وباب المندب معاً، فإن العالم قد يواجه شللاً غير مسبوق في حركة التجارة البحرية، خصوصاً في قطاع الطاقة.

هل تمتلك إيران القدرة؟

من الناحية التقنية، نعم. تطل إيران على المضيق من ساحل طويل يتجاوز 100 ميل بحري، وتملك ترسانة من الصواريخ، والزوارق السريعة، والطائرات المسيّرة، ونظم الدفاع الساحلي القادرة على استهداف السفن التجارية والعسكرية. ويكفي قيام إيران بعمليات تحرش أو استهداف محدود لبعض السفن لرفع كلفة التأمين والمخاطر إلى مستويات قد تُجبر شركات الشحن العالمية على تجنّب المرور من المضيق. كما أن احتجاز ناقلات أو تهديدها، كما حدث سابقاً، يمكن أن يُعطل الملاحة من دون الحاجة لإغلاق كامل.

عقبات أمام التصعيد الكامل

ورغم امتلاك طهران للقدرات، إلا أن إغلاق المضيق بالكامل يظل خياراً محفوفاً بالمخاطر بالنسبة لها. أولاً، هذا التحرك سيمثّل تجاوزاً لـ"الخطوط الحمراء" لدول الخليج والولايات المتحدة، وقد يدفع إلى رد عسكري واسع، خاصة مع تمركز الأسطول الأميركي الخامس في البحرين. ثانياً، ستُصاب إيران نفسها بخسائر مباشرة، إذ تصدّر يومياً نحو 1.65 مليون برميل من النفط، تُمثّل أكثر من نصف إيرادات الدولة. وقد يحرمها الإغلاق من هذه العائدات الحيوية، التي تعتمد عليها في تمويل الدعم الحكومي الأساسي للمواد الغذائية والوقود، في ظل اقتصاد مثقل بالعقوبات.

الصين في المعادلة الإيرانية

إضافة إلى الخسائر المالية، تخشى إيران من رد فعل الصين، شريكها الاستراتيجي وأكبر مستورد لنفطها. إذ إن نحو 90% من صادرات النفط الإيرانية تذهب إلى بكين، التي ترتبط بمصالح اقتصادية عميقة مع الخليج العربي. أي توتر أو إغلاق قد يهدد إمدادات الطاقة الصينية، مما يضع طهران أمام احتمال خسارة دعم دبلوماسي واقتصادي مهم في أوقات العزلة الدولية. لهذا، تبدو إيران حذرة في استخدام ورقة المضيق، وتفضل التلويح بها ضمن استراتيجية ردع متدرجة.

بدائل جزئية.. لكن غير كافية

ورغم هذه القيود، فقد بدأت إيران بخطوات استراتيجية لتقليل اعتمادها على مضيق هرمز. ففي أكتوبر 2024، دشّنت تصدير النفط من منشآت "جاسك" على بحر عمان، ما يمنحها منفذاً بديلاً خارج الخليج العربي. غير أن هذه القدرة لا تكفي لتغطية كامل صادراتها، كما أنها عرضة لهجمات بحرية حال اندلاع حرب شاملة.

من ناحية أخرى، تمتلك بعض دول الخليج بدائل جزئية. فالسعودية قادرة على نقل أكثر من 5 ملايين برميل يومياً عبر خط أنابيب "الشرق-الغرب" نحو البحر الأحمر، ولكن هذا الخط نفسه معرض لهجمات الحوثيين. أما الإمارات فبمقدورها نقل نحو 1.5 مليون برميل يومياً إلى ميناء الفجيرة، المطل على بحر عُمان، والذي يمكنه تصدير 75% من إنتاجها النفطي. إلا أن هذه البدائل لا تعوّض بشكل كامل خسارة المضيق في حال إغلاقه.

تداعيات إقليمية ودولية واسعة

سيناريو الإغلاق الكامل سيؤدي إلى اضطرابات حادة في أسواق النفط، قفز في الأسعار، وتأزم اقتصادي عالمي، خاصة في الدول المستوردة للطاقة مثل الصين والهند وأوروبا. كما سيفتح الباب أمام تصعيد عسكري واسع النطاق قد يمتد من الخليج إلى البحر الأحمر، ويعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية. دول الخليج ستجد نفسها بين نارين: الرد على التهديد الإيراني، ومحاولة الحفاظ على استقرار صادراتها. أما الغرب، فسيضطر إلى إعادة النظر في تمركز قواته البحرية وتوسيع نفوذه الأمني في الممرات الاستراتيجية.

ضغط على واشنطن وترامب عبر سلاح الطاقة

في خضم هذا التصعيد، قد لا يكون الهدف الإيراني من التهديد بإغلاق مضيق هرمز هو التنفيذ الفعلي بقدر ما هو توظيف الورقة كورقة ضغط سياسية على الإدارة الأميركية لإعادة ضبط وتيرة التصعيد. فالرئيس دونالد ترامب، المعروف ببراغماتيته الشديدة وحساسيته تجاه استقرار الأسواق والاقتصاد الأمريكي، يدرك أن أي اضطراب كبير في إمدادات الطاقة العالمية سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وهو ما قد ينعكس مباشرة على المواطن الأميريكي، ويقوّض الإنجازات الاقتصادية التي يعتمد عليها في ترسيخ شعبيته داخلياً. من هذا المنطلق، تسعى طهران عبر التصعيد المدروس في لهجتها إلى إيصال رسالة غير مباشرة إلى البيت الأبيض: استمرار الهجوم الإسرائيلي سيُقابل بتصعيد إيراني يهدد استقرار سوق الطاقة، ما قد يضع ترامب في موقع الضاغط على بنيامين نتنياهو لتخفيف حدّة العمليات العسكرية ضد إيران أو التراجع عنها.

يبدو أن طهران تستخدم تهديد إغلاق مضيق هرمز كورقة ضغط متقدمة، لكنها تدرك جيداً أن تفعيل هذه الورقة سيجلب عواقب باهظة عليها قبل غيرها. ومع ذلك، فإن مجرد التهديد يعكس هشاشة الأمن البحري العالمي، ويكشف مدى اعتماد الاقتصاد العالمي على ممرات مائية ضيقة، قد تتحول في أي لحظة إلى ساحة صراع مفتوح. وبين الردع والرد، تبقى المنطقة معلقة على شفير تصعيد قد يُغيّر وجه التجارة العالمية لعقود.

التعليقات (0)