إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: جيل غزة بين الدم والذاكرة.. جيلٌ لا يغفر ولا ينسى

profile
  • clock 16 يوليو 2025, 9:44:09 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في زوايا غزة المدمرة، حيث ترتسم ملامح الحزن على وجوه الأحياء وتلف الأرض رائحة الدمار، يولد جيلٌ جديد، مختلف تمامًا عن كل ما سبقه، جيلٌ لم يرَ والديه إلا في صورٍ باهتة، لم يحتضن أمه أو يسمع صوت أبيه إلا من خلال ذكريات متلاشية في أعماق ذاكرته، لأنه جيلُ الفقد، جيلُ القهر، جيلُ الألم الذي لا يُحتمل.

لقد شهد هذا الجيل أبشع فصول الكارثة الإنسانية، شهد القصف الذي أبعد الأب عن أطفاله، والدم الذي راح يسيل على وجوه أمهاتٍ فقدن أحلامهن، والعائلات التي أُبادت في لحظات، وقلوبٌ توقفت عن النبض لتختصر مأساة شعب كامل في جرحٍ واحد، هؤلاء الأطفال والشباب، الذين كبروا وسط الأنقاض، لم تُترك لهم فرصة للغفران أو النسيان.

إنهم يحملون في أعماقهم جرحًا مفتوحًا لا يندمل، وروحًا متقدة لا تعرف الرحمة لمن دمّر مستقبلهم، لأن القتل لم يكن مجرّد أرقام في تقارير أو أخبار تُقرأ بسرعة ثم تُنسى، بل كان بداية قصة انتقامٍ دفين تكتبها الأقدار بدموع من تبقى من هذا الجيل.

هذا الجيل الذي حُرم من طفولته، لا ينشد سوى العدالة، بل وأكثر من ذلك، يستعد للرد على ما حدث له ولأهله، ليس انتقامًا من أجل العنف ذاته، بل انتقامًا من أجل الكرامة التي سُلبت، من أجل الحق الذي طُمس، من أجل حياةٍ أُجهضت في مهدها.

إن قتل الأب والأم، وإبادة العائلة، ليس مجرد أفعال وحشية ترتكب، بل هو محاولة لإعدام الروح، لتمزيق النسيج الاجتماعي، لتفتيت الأمل، لكن الغريب في الأمر أن كل هذه المحاولات تُثمر جيلاً أكثر إصرارًا على الثبات، أكثر تشبثًا بالحياة والكرامة، وأكثر تصميمًا على مقاومة كل من يحاول إسقاطه في بئر اليأس.

إنهم أحياء في ضمير كل من رفض الصمت، في وجدان كل من رأى الظلم ولم يسكت، في قلوب كل من يؤمن أن العدالة لا تتحقق إلا بانتصار الحقيقة.

هذا الجيل لن يكون مجرد ذكرى تُروى، ولن يكون صفحة تُطوى، بل هو عنوان النضال القادم، هو الحكاية التي لن تنتهي إلا بتحقيق الحرية والكرامة لأهله.

هذا الجيل ليسوا فقط ضحايا، بل هم عنوان حقبة جديدة ستشهد فيها غزة انتفاضتها من تحت الركام، ستشهد خلالها الحياة تعود رغم القتل والدمار، ستشهد خلالها إرادة شعب لا تُكسر، لا بالقتل، ولا بالدمار، ولا بالخذلان.

هذا الجيل الذي صنعه الاحتلال والعدوان، هو نفسه الجيل الذي سيعيد بناء حكاية المقاومة، سيعيد بناء الحياة، وسيكتب فصول الحرية من جديد ، هو الجيل الذي سيحول الألم إلى قوة، والدم إلى صوتٍ لا يُمكن إسكاتَه، والذاكرة إلى وعدٍ بأن لا يُنسى، وأن لا يُغفر الظلم.

في النهاية، جيل غزة هو شهادة حية على أن القتل لم يوقف الحياة، وأن الانتقام ليس خيارا فقط بل ضرورة لإعادة الكرامة المسلوبة، هو الجيل الذي لن يقبل إلا بالحرية، ولن يهدأ له بال حتى تعود الحياة لشوارع غزة، حتى تعود الضحكات لأطفالها، وحتى يتحقق حلم التحرير.
 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)