-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: "المدينة الإنسانية".. الوجه الناعم لأوشفيتز الإسرائيلية في غزة
المدينة المزعومة لن تكون سوى غلاف لسياسة إحلالية مدمرة
إسماعيل جمعة الريماوي يكتب: "المدينة الإنسانية".. الوجه الناعم لأوشفيتز الإسرائيلية في غزة
-
14 يوليو 2025, 1:08:36 م
-
425
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
لم تعد إسرائيل بحاجة إلى كثير من الجهد لإخفاء جرائمها أو تزيين مشاريعها العنصرية، فالعالم الذي بات يتعامل ببرود مع الإبادة الجماعية المستمرة في غزة على مدى الشهور الماضية، لن يحرّك ساكنًا أمام نسخة جديدة من معسكرات الاعتقال، طالما أنها تحمل اسمًا ناعمًا مثل "المدينة الإنسانية"، لكن خلف هذه التسمية المضللة، تتكشف واحدة من أخطر حلقات المخطط الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني،
وبدعم ومباركة أمريكية، مشروع يعيد إلى الأذهان معسكرات التجميع والإبادة التي أنشأتها الأنظمة الفاشية في القرن العشرين، ويكاد يعلن صراحة أن جنوب غزة موعود بـ"أوشفيتز" جديدة، ولكن بطراز إسرائيلي.
فما تُسوّقه حكومة الاحتلال على أنه حلّ إنساني للنازحين في الجنوب، هو في جوهره معتقل عنصري مغلق، مساحة محصورة محاطة بأسلاك الحصار والتجويع والمراقبة الجوية، ومرشحة لتكون ساحة دائمة للضغط والترهيب والابتزاز، المدينة المزعومة ليست سوى "غيتو" عصري، يجري من خلاله عزل مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني عن بقية وطنهم، في خطوة خطيرة نحو إعادة ترسيم الخريطة الديمغرافية في القطاع على أسس التهجير والفصل القسري.
الاحتلال لا يقيم "مدينة" بل يخطّط لما هو أبعد: ترانسفير جماعي مموّه بلغة الإغاثة، يهدف إلى إفراغ شمال ووسط القطاع من سكانه، تمهيدًا لسيطرة كاملة على ما تبقى من الأرض ، ويقوم بذلك من خلال أدوات سياسية وعسكرية ناعمة وقاسية في آنٍ واحد: من جهة يُحاصر المدنيين بالنار، ومن جهة يُلوّح لهم بـ"الملاذ الآمن" في الجنوب، حيث "الخيام المؤقتة" التي لا تختلف كثيرًا عن السجون، لا من حيث طبيعة التحكم في الداخل، ولا من حيث مصير القاطنين فيها.
إن ما يحدث ليس حلاً إنسانياً، بل جريمة منظمة تهدف إلى تجميع المدنيين العزّل في مربّع مغلق يخدم رؤية الاحتلال للمرحلة القادمة: لا عودة إلى الشمال، لا مقاومة في الداخل، لا أفق للعودة، بل حياة مؤقتة ومهينة ومعلقة في الهواء، وكأن غزة باتت مسرحاً لتجربة مريرة لاختبار إلى أي مدى يمكن الضغط على شعب قبل أن يُنتزع من أرضه تمامًا.
المدينة المزعومة لن تكون سوى غلاف لسياسة إحلالية مدمرة، وممرّ إجباري نحو التهجير الخارجي الذي طالما حلمت به نخب الاحتلال، وعبّرت عنه علناً منذ بداية الحرب، فمتى ينكشف الغطاء عن هذه الكارثة القادمة؟ ومتى يُفهم أن ما يُرتكب اليوم هو فصل جديد من نكبة لم تتوقف قطّ، بل تأخذ أشكالاً أكثر خداعاً وقسوة؟
إن "المدينة الإنسانية" التي تُخطط لها إسرائيل ليست سوى قفص كبير لأحلام شعب أنهكه الحصار وأدمته الحروب، قفص يُراد له أن يكون النهاية الصامتة لحكاية وطن ، لكنها لن تكون النهاية ، فالفلسطيني، الذي خرج من المجازر والمخيمات، لن يقبل أن يُدفن حيًّا في سجن مغلف برايات الإغاثة، لن ينسى الطريق إلى الشمال، ولن يسلّم بمقايضة الحياة بالكرامة، ولا الخيمة بالعودة. قد يُحاصر، يُجَوّع، يُقتل، لكنّه لا يُنسى، ولا تُنسى قضيته، لأن من وُلد في الحصار لا يموت في الصمت، بل يصرخ حتى يسمعه التاريخ .










