إسلام الغمري يكتب: استدراك على تصريحات الدكتور محمد الصغير وتجربة الرئيس أحمد الشرع في سوريا

profile
د إسلام الغمري سياسي مصري
  • clock 14 أغسطس 2025, 10:27:20 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
الربيع العربي

في سياق النقاشات الدائرة حول تجارب الربيع العربي، توقفتُ عند تصريحات للدكتور محمد الصغير، أشار فيها إلى أن البقعة التي انتصرت من ثورات الربيع العربي كانت في سوريا، وأن الحراك المسلح كان سبيل ذلك، بينما الثورات التي بقيت سلمية قد هُزمت.


ومع تقديري لشخصه الكريم وخبرته الدعوية والسياسية، أرى أن هذه القراءة تغفل حقائق مهمة أثبتتها التجارب، وتُغالي في تعميم نموذج العسكرة على بيئات مختلفة. وقد قال الدكتور الصغير في سياق نقده لمقولة “سلميّتنا أقوى من الرصاص” إنها غير واقعية، معتبرًا أن السلاح كان الخيار الفعّال في بعض الحالات.

 

السلاح… طريق محفوف بالمخاطر

 

الواقع أن السلاح، حتى وإن لجأت إليه بعض الشعوب في ظروف قاهرة، ليس وسيلة آمنة أو مضمونة لتحقيق انتقال سياسي ناجح. تجارب العقود الأخيرة أثبتت أن العسكرة غالبًا ما تقود إلى الفوضى، وتضاعف المعاناة، وتمنح الأنظمة المستبدة ذريعة لزيادة القمع، وتحويل الصراع من ميدان السياسة إلى ساحة الحرب، حيث الخسائر أفدح والمكاسب أقل استدامة.

 

السلمية… قوة استراتيجية لا ضعفًا

 

السلمية ليست مجرد شعار أخلاقي، بل هي أداة استراتيجية تمنح الحراك الشعبي شرعية واسعة، وتحرم الأنظمة من اتخاذ خطاب “محاربة الإرهاب” ذريعة للتنكيل بالمعارضين. وهي فلسفة نضال تقوم على استنزاف النظام، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية، وبناء وعي مجتمعي متراكم يمهّد لتغيير شامل لا يقتصر على إسقاط رأس السلطة، بل يطال بنيتها العميقة.

 

خصوصية السياقات وخطأ التعميم

 

لا يمكن استنساخ تجربة بلد ما في بلد آخر دون مراعاة اختلاف السياقات: تركيبة المجتمع، طبيعة الدولة، موازين القوى، والظروف الإقليمية والدولية. إخفاق بعض التجارب السلمية لا يعود إلى سلميتها بالضرورة، بل إلى الانقسامات الداخلية، وأخطاء القيادة، والتحالفات الإقليمية المضادة، فضلًا عن شدة القمع.

 

أمثلة من المسارين: المسلح والسلمي

 

المسلح:


• الجزائر (1991 – 2000): حرب أهلية أودت بحياة نحو 200 ألف إنسان، وانتهت بعودة النظام أقوى.


• سوريا بعد 2011: تحوّل الحراك السلمي إلى عسكرة فتح الباب لتدخلات خارجية ودمار واسع، وبقاء النظام.


• تجربة الرئيس أحمد الشرع (2024): لم تكن نتيجة تفوق السلاح وحده، بل ثمرة ترتيبات سياسية وإقليمية ودولية مع حالة إنهاك داخلي للنظام، وما زالت تحت الاختبار.


• ليبيا، السودان، اليمن: العسكرة جلبت الدمار والانقسامات وأخرت الحلول السياسية.

 

السلمي:


• الهند (غاندي): استقلال عبر العصيان المدني دون حرب أهلية.


• جنوب أفريقيا (مانديلا): إنهاء الفصل العنصري بالمصالحة الوطنية.


• ثورة 25 يناير (مصر): خلال 18 يومًا من الانضباط السلمي سقط رأس النظام قبل أن تنجح الثورة المضادة في الالتفاف على المسار.

 

الدروس المستفادة


1. العسكرة نادرًا ما تبني دولة مستقرة.


2. السلمية تمنح الشرعية الشعبية وتحرم السلطة من مبررات القمع.


3. كل حالة لها خصوصيتها ولا تصلح وصفة واحدة للجميع.


4. النفس الطويل والضغط المتدرج أكثر فاعلية من المواجهة العنيفة.

 

الخاتمة

 

وأؤكد هنا أن أي دعوة لحمل السلاح بالمطلق ليست خيارًا واقعيًا أو مناسبًا لإحداث التغيير في أوطاننا، بل هي وصفة للفوضى والانقسام. الطريق السلمي الواعي هو الخيار الأخلاقي والسياسي الأمثل، بما يحمله من قدرة على توحيد الصفوف، وكسب الشرعية، وتجريد الاستبداد من مبررات العنف، وفتح الطريق أمام تغيير مستدام يحافظ على وحدة المجتمع ويؤسس لدولة القانون.

 

التعليقات (0)