تكبير الخط تصغير الخط

د. محمد الصاوي - الباحث في العلاقات الدولية

عاد السؤال حول احتمال اندلاع موجة احتجاج واسعة أو “ثورة” جديدة في مصر إلى الواجهة، في ظل تدهور اقتصادي ملموس، وتوسّع بيع أصول الدولة، وتراجع الحريات السياسية، إلى جانب حساسية الشارع المصري تجاه الحرب الجارية في غزة وما يرافقها من تعاون أمني واقتصادي مع إسرائيل.

هذا التحليل يدمج قراءات غربية وعربية حديثة (2024–2025)، مع معطيات اقتصادية وأمنية، للإجابة عن السؤال: هل نحن أمام ثورة وشيكة، أم أمام أزمة مزمنة تُدار أمنيًا؟

اقتصاد هش.. لكنه قابل للإدارة

تقارير صندوق النقد الدولي (يوليو 2025) تصف الاقتصاد المصري بأنه “قابل للإدارة” على المدى القصير، رغم هشاشته البنيوية واعتماده على تدفقات المحافظ الأجنبية وبيع الأصول عبر الصندوق السيادي لسد فجوات التمويل.

تغطيات رويترز وبلومبيرغ تشير إلى أن تحسّن الجنيه مؤخرًا مرتبط بتدفّق “الأموال الساخنة” إلى أدوات الدين، وهو مسار يمكن أن ينقلب بسرعة إذا تعرضت البلاد لصدمة خارجية، كما حدث في أزمة الغاز الإسرائيلي خلال الحرب مع إيران، التي عطلت صناعات وأرهقت ميزان المدفوعات.

في المقابل، ترى منصات عربية مثل مدى مصر أن هذه السياسة تخلق انتعاشًا قصير المدى، لكنها تعيد توزيع الثروة لمصلحة النخب المقرّبة من السلطة، وتهمّش الاستثمار الاجتماعي المنتج، ما يراكم مشاعر السخط.

قبضة أمنية قوية.. بتكلفة متصاعدة

دراسة يزيد صايغ في مركز كارنيغي تصف ما يسميه “الجمهورية الثانية” بمزيج من وصاية عسكرية ورأسمالية دولة موسّعة، حيث تعاد صياغة السوق والبيروقراطية بشكل يُبقي القرار مركزيًا ويقلّص أي منافسة سياسية أو اقتصادية.

صحيفة لوموند الفرنسية رصدت تضييق السلطات على الفعاليات المؤيدة لفلسطين، خشية تحوّلها إلى احتجاجات مناوئة، ما يعكس سياسة “إدارة العتبة” قبل أن تتحول المظاهرات إلى موجة واسعة.

هذه البنية الأمنية المتماسكة قادرة على امتصاص الصدمات واحتواء الغضب بسرعة، لكن مع تراكم تكلفة اقتصادية واجتماعية على المدى الطويل، ومع تآكل الشرعية الشعبية.

غزة.. ملف الشرعية الساخن

كشفت فايننشال تايمز أن خططًا أميركية-إسرائيلية لنقل سكان غزة إلى سيناء وضعت القاهرة في موقف حرج، إذ رفضت مصر رسميًا هذه المشاريع، لكنها واصلت التنسيق الحدودي والأمني مع تل أبيب، ما أبقى الملف حساسًا في نظر الشارع.

تؤكد رويترز والغارديان أن معبر رفح يظل بؤرة جدل، بسبب تعثّر دخول المساعدات واستمرار صور الشاحنات المتوقفة، وهو ما يُغذّي السرديات التي تتهم القاهرة بالتقصير أو التواطؤ، ويضغط على شرعيتها الداخلية.

غضب مؤجَّل.. لا انفجار وشيك

القراءات الغربية تميل إلى أن الاقتصاد المصري هش لكنه ما زال تحت السيطرة، والبنية السلطوية متماسكة، ما يقلّل فرص حدوث ثورة في المدى القصير.

أما التحليلات العربية، فتركّز على كلفة بيع الأصول واتساع الفجوة الاجتماعية، وتحذّر من أن أي صدمة مفاجئة — سواء في ملف الطاقة أو على الحدود مع غزة — قد تسرّع الانفجار.

حتى الآن، مصر أقرب إلى “الاستقرار المتوتر” منه إلى الثورة الشاملة، لكن هذا التوازن هش، ويعتمد على استمرار تدفقات التمويل الخارجي، وعدم وقوع أخطاء استراتيجية في الملفات الحساسة.

ما الذي قد يغيّر المعادلة؟

بحسب التحليل المقارن للمصادر:

-صدمة اقتصادية غير قابلة للامتصاص، مثل انهيار مفاجئ في الجنيه أو تراجع حاد في إيرادات قناة السويس أو الغاز.

-شرارة سياسية موحّدة قادرة على تجاوز الانقسامات الاجتماعية.

- انقسام داخل أجهزة الضبط، وهو ما لم تظهر مؤشراته بعد.

وأخيراً وليس آخراً 

مصر ليست على أعتاب ثورة وشيكة، لكنها على أعتاب دورة أزمات متقطعة، تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية والأمنية والإقليمية، وقد يتحوّل أي خلل كبير في هذه المعادلة إلى لحظة مفصلية تغيّر المشهد جذريًا.

مع تداخل الاقتصاد الهش، السيطرة الأمنية المحكمة، وضغوط الحروب الإقليمية، أي العوامل الثلاثة ستكون العامل الحاسم في تشكيل مسار مصر خلال السنوات القادمة؟

قائمة المراجع

بالإنجليزية

• Financial Times (2025). Trump’s Gaza plan piles pressure on his ‘favourite dictator’. [Online] Available at: https://www.ft.com
• IMF (2025). Arab Republic of Egypt: 2025 Article IV Consultation. Washington, D.C.: International Monetary Fund.
• Le Monde (2024). Pro-Palestinian voices silenced in Egypt. Paris: Le Monde.
• Reuters (2025a). Mideast war highlights Egypt’s energy weak spot. [Online] Available at: https://www.reuters.com
• Reuters (2025b). Egypt-Gaza aid flow faces bottlenecks. [Online] Available at: https://www.reuters.com
• Sayigh, Y. (2024). The Second Republic: Remaking Egypt Under Abdel-Fattah el-Sisi. Carnegie Middle East Center.
• The Guardian (2025). Gaza aid crisis deepens at Rafah crossing. London: Guardian News & Media.

بالعربية

• مدى مصر (2025a). “تدفّق الأموال الساخنة يدعم الجنيه المصري”. القاهرة: مدى مصر.
• مدى مصر (2025b). “عام مالي جديد، حصص جديدة من الكعكة”. القاهرة: مدى مصر.