أحمد الشرع في الكويت: تقارب استراتيجي في زمن التحولات الخليجية

profile
  • clock 1 يونيو 2025, 12:59:06 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

وصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى قصر البيان في العاصمة الكويتية، في زيارة رسمية تُعد الأولى له منذ توليه المنصب في يناير الماضي، والثانية بعد استعادة سوريا لسيادتها من نظام الأسد. هذه الزيارة، التي تكتسب طابعًا رمزيًا ودلاليًا بقدر ما تحمل من مضامين سياسية، جاءت تلبية لدعوة من أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، وعكست تحولاً تدريجياً في السياسة الخليجية تجاه سوريا الجديدة بعد سنوات من القطيعة. فبعد أكثر من عقد على تجميد العلاقات الرسمية إثر اندلاع الثورة السورية، ثم الحرب التي تلتها، تشهد الساحة الخليجية اليوم إعادة تموضع حذر لكنه حاسم في علاقة بعض العواصم مع دمشق، مدفوعًا بمتغيرات إقليمية أبرزها انكفاء النفوذ الإيراني العسكري عن المشهد السوري، وصعود القيادة المدنية الجديدة التي تمثل قطيعة تاريخية مع نظام البعث.

 

نهاية القطيعة: خلفية العلاقات الكويتية-السورية

العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والكويت تمتد إلى عام 1963، لكنها شهدت انقطاعًا تامًا في 2012 مع تصاعد الجرائم المرتكبة من قبل نظام الأسد بحق المدنيين. إلا أن مؤشرات الانفتاح الخليجي، التي ظهرت منذ العام 2023، أخذت منحى عملياً في نهاية ديسمبر 2024، حين زار وزير الخارجية الكويتي عبد الله اليحيا دمشق، ليس بصفته الوطنية فقط، بل كرئيس للمجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي. وترافقت الزيارة حينها مع إطلاق أولى رحلات الجسر الجوي الإنساني من الكويت إلى سوريا، في خطوة عكست ليس فقط البعد الإنساني المعروف عن الدبلوماسية الكويتية، بل أيضًا استعدادًا خليجيًا عامًا لفتح صفحة جديدة مع النظام السوري الجديد، شريطة ابتعاده عن التحالفات الإقليمية التي أضرت باستقرار المنطقة.

تحوّل خليجي في مقاربة الملف السوري

زيارة الشرع إلى الكويت لا تنفصل عن سياق خليجي أوسع يشهد إعادة تقييم للعلاقة مع سوريا ما بعد الأسد. فالكويت التي لطالما حرصت على اتخاذ مواقف وسطية ومرنة، وجدت في التغيير السياسي الذي شهده الداخل السوري مدخلاً مشروعاً لاستئناف علاقاتها مع دمشق، خصوصاً بعد تراجع الحضور الإيراني الذي كان يُعد المانع الأكبر لأي تطبيع خليجي-سوري. وفي هذا الإطار، لا يمكن فصل الزيارة عن مجمل التحركات الإقليمية التي شهدت زيارات للرئيس الشرع إلى السعودية وقطر والإمارات ومصر، وكلها دول لعبت أدواراً رئيسية في دعم المعارضة أو في توجيه مسار الملف السوري داخل الجامعة العربية. اليوم، ومع سيطرة قيادة جديدة على مفاصل الدولة السورية، باتت هذه الدول منفتحة على إعادة العلاقات بشرط توافر ضمانات سياسية ومؤسساتية تحول دون تكرار تجربة الاستبداد السابق.

 

ما بعد إيران: مرحلة سورية جديدة في الخليج

أحد أبرز التحولات التي سمحت بإعادة التقارب السوري-الخليجي هو غياب العامل الإيراني عن المشهد السوري الرسمي. فقد ارتبطت سياسات نظام الأسد، لعقود، بالارتهان لسياسات طهران، التي استثمرت في بقائه عسكريًا وأيديولوجيًا. أما اليوم، فإن دمشق الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، تسعى إلى الانفتاح على محيطها العربي، وخصوصًا الخليجي، في إطار إعادة بناء دولة ذات سيادة واستقلال في القرار السياسي. ويُعد غياب ميليشيات طهران عن العاصمة دمشق، والانكفاء التدريجي لوجودها العسكري في البلاد، أحد أهم العوامل التي شجعت دول الخليج، وبينها الكويت، على الانخراط مجددًا في الحوار مع سوريا، لا سيما في ملفات إعادة الإعمار، والاستثمار، والأمن الإقليمي.

محاور الزيارة: الإعمار والاستثمار والدبلوماسية

بحسب وكالة الأنباء الكويتية الرسمية "كونا"، فإن الرئيس الشرع أجرى مباحثات رسمية مع أمير الكويت تناولت العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون في مجالات الاستثمار والإعمار، إلى جانب بحث التنسيق السياسي الإقليمي. ويرافق الشرع وفد رفيع يضم وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، ما يعكس الطابع السياسي والاقتصادي المتكامل للزيارة. وتُعتبر الكويت من الدول الخليجية المرشحة للعب دور رئيسي في مشاريع إعادة بناء البنى التحتية السورية المدمرة، مستفيدة من خبرتها السابقة في تمويل المشاريع التنموية عبر الصناديق العربية، إضافة إلى رغبتها في تعزيز دورها السياسي كوسيط إقليمي.

معادلات إقليمية جديدة

تعكس زيارة الشرع إلى الكويت ملامح مشهد إقليمي جديد بدأ يتشكل تدريجياً منذ مطلع العام الجاري، يقوم على إعادة بناء التحالفات على أسس براجماتية، تتجاوز الاصطفافات الأيديولوجية السابقة. فالتطبيع الخليجي مع سوريا لا يقوم هذه المرة على قبول الأمر الواقع كما كان الحال مع نظام الأسد، بل على تفاهمات واضحة مع قيادة جديدة تعتبر نفسها منتمية للعالم العربي، لا تابعة لمحاور النفوذ الخارجية. في المقابل، تسعى بعض الدول الخليجية إلى احتواء الساحة السورية سياسيًا واستثماريًا قبل أن تعيد قوى كإيران أو روسيا أو حتى تركيا تموضعها داخل الأراضي السورية بطرق تعيد إنتاج المشهد القديم.

 

سوريا ما بعد الأسد: اختبار دبلوماسي طويل الأمد

زيارة الرئيس الشرع إلى الكويت هي اختبار دبلوماسي مهم للقيادة السورية الجديدة في قدرتها على ترميم العلاقات مع العالم العربي دون تقديم تنازلات تمس السيادة أو الاستقلال الوطني. وفي الوقت نفسه، فهي تشكل اختبارًا لدول الخليج في ترجمة أقوالها حول دعم الشعب السوري إلى أفعال على الأرض، سواء عبر المساعدات أو الانخراط في جهود إعادة الإعمار. إذ لا تزال التحديات التي تواجه سوريا ما بعد الحرب هائلة، ومن دون دعم عربي حقيقي، فإن خطر الانزلاق مجددًا إلى الارتهان الخارجي يبقى قائماً. ومن هنا، فإن هذه الزيارة ليست محطة بروتوكولية عابرة، بل علامة فارقة في رسم حدود العلاقة المستقبلية بين سوريا ومحيطها الخليجي.

التعليقات (0)