-
℃ 11 تركيا
-
12 يونيو 2025
ماذا يأكل الحبار؟ نظرة داخل تكتيكات الصيد لدى مفترسي المحيط
صياد بالفطرة
ماذا يأكل الحبار؟ نظرة داخل تكتيكات الصيد لدى مفترسي المحيط
-
1 يونيو 2025, 12:52:55 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: شيماء مصطفى
يمثل الصيد فنًّا متقنًا لدى الحبار، الذي تطوّر ليزدهر في الظلمة الحالكة ويقاوم صعوباتها. في بيئة بحرية عميقة تعجز فيها معظم الكائنات عن الصمود، يتربّع الحبار على قمة السلسلة الغذائية. وقد تحدّثت الخبيرة البيئية ومستشارة الاستدامة الدكتورة جينيفر براندون عن قدرات الحبار الغذائية والصيدية المتقدّمة، موضحة أن لديه أربع أدوات رئيسية تمنحه أفضلية على الفرائس الأصغر.
تقول براندون: "الحبار كائن بصري صيّاد، لديه عيون كبيرة ومتطورة للغاية. بل إن الحبار العملاق يمتلك بعضًا من أكبر العيون في المملكة الحيوانية." وتضيف أن هذه العيون الضخمة تمنحه قدرة على التقاط أقل درجات الضوء وحتى الوميض الحيوي (البيولومينيسينس) لدى فرائسه، ما يتيح له الصيد في أعماق تتراوح بين ألف وألفي قدم.
تشريح معقّد وأساليب افتراس فريدة
توضح الدكتورة براندون أن الحبار يختلف تشريحيًا عن الأخطبوط، حيث يمتلك ثمانية أذرع قصيرة، بالإضافة إلى ذراعين طويلتين يُستخدمان في القبض على الفريسة وسحبها نحو منقاره الحاد، الذي يقع في منتصف دائرة الأذرع. وتُعرف هاتان الذراعان باسم "الهراوات"، وغالبًا ما تكون مزوّدة بماصات أو خطاطيف.
تضيف براندون: "تتميز تلك المجسّات الطويلة بوجود أكواب شفط في نهاياتها للإمساك بالفريسة، بينما تعمل الأذرع الثمانية الأخرى على تثبيتها وتوجيهها أثناء الأكل بواسطة المنقار." ويُعد هذا المنقار – أو "المنقار الرأسي" – بمثابة الفم الذي يُمضغ فيه الطعام ليسهل هضمه.
كما تكشف عن سلاح إضافي تمتلكه بعض أنواع الحبار، قائلة: "بعض الأنواع يمكنها حتى حقن السم عبر عضّاتها." ومن بين أكثر الأنواع سميّة "حبار البيجامة المخططة"، الذي يُفرز سُمًّا عند الشعور بالخطر، ويُعدّ من الأنواع السامة والقاتلة. إلى جانب ذلك، يتمتع الحبار بقدرات تغير اللون (عن طريق الكروماتوفورات) وإفراز الحبر، مما يجعله من أكثر المفترسات تعقيدًا.
القدرات الهجومية والدفاعية
رغم أن الحبار مزوّد بأسلحة فتاكة، إلا أن د. براندون تبيّن أن أدوات دفاعه تُستخدم أيضًا بشكل هجومي. وتقول: "يمكن للحبار التمويه والسباحة بسرعة كبيرة، مما يمكّنه من التربص بفرائسه وكذلك الهروب من مفترسيه بسهولة." حبار الهومبولت يُعد الأسرع بين أنواعه، إذ تصل سرعته إلى 15 ميلًا في الساعة، بينما يتفوّق عليه الأخطبوط خارج عائلة الحبار بفضل الدفع النفاث، حيث يمكنه الوصول إلى 25 ميلًا في الساعة.
يمتلك الحبار الوسيلة ذاتها للهروب السريع، من خلال عضو يُسمّى "السيفون"، يسمح له بامتصاص الماء وطرده بقوة، مما يخلق دفعًا عالي السرعة للأمام. لا يُستخدم هذا الدفع للهروب فقط، بل للصيد أيضًا؛ إذ يتمكن الحبار من مباغتة فريسته بسرعة فائقة، فيقتنصها قبل أن تدرك ما يحدث.
ما الذي يأكله الحبار؟
الحبار كائن لاحم، وتُعدّ تقنيات صيده انعكاسًا لطبيعته المفترسة. يتغذى غالبًا على كائنات أصغر منه، لكن ليس من غير المعتاد أن يصطاد فريسة تماثله في الحجم. تقول براندون: "الحبار يأكل أنواعًا كثيرة من الأسماك الصغيرة، ويمكنه أيضًا أكل حبار آخر صغير الحجم."
ويُستخدم منقاره القوي في كسر أصداف القشريات، مما يسمح له باستهلاكها بسهولة. وفي بعض الأنواع، مثل الحبار العملاق الذي يعيش في "منطقة الشفق" (Twilight Zone)، حيث تقل الموارد الغذائية، يكون الحل هو التهام أفراد من جنسه. وهذا الشكل من أكل أبناء النوع ذاته (الكانيبالية) يُعدّ تكتيكًا بقاءً، إذ في عالم المفترسين: "الغذاء هو الغذاء".
تحوّلات في العادات التطورية
رغم أن الحبار لا يزال سيد الأعماق، إلا أن الدكتورة براندون تشير إلى تغيّرات محتملة. تقول: "في السنوات الأخيرة، ازداد صيد الحبار بشكل كبير، خاصة في المناطق غير الخاضعة للتنظيم، مما أدى إلى استنزاف بعض الأنواع."
والمفارقة أن الحبار يُصطاد باستخدام نفس الطريقة التي يصطاد بها: يُجذب نحو الضوء ثم يُصطاد. لا يؤدي ذلك إلى تقليص أعداده فقط، بل يربك نظامه البيئي، ويُحدث تلوثًا ضوئيًا يعيق قدرته على الصيد.
تضيف براندون أن الصيد المفرط ليس التهديد الوحيد، بل هناك مشكلة متزايدة في تلوث المياه. "الحبار يحتاج إلى مياه صافية للصيد بفعالية"، موضحة أن ازدياد التلوث، وتعكر المياه، والطحالب السامة قد تؤثر على قدرة الحبار على النجاة.
كما أن تغيّر المناخ يلعب دورًا كبيرًا في تغيير أنماط صيده وانتشاره الجغرافي. فقد أُجبر الحبار على الهجرة نحو الشمال بحثًا عن مياه أبرد. وتؤكد براندون أن الحبار الذي كان يستوطن مناطق مثل باخا كاليفورنيا، شوهد الآن في ولايات مثل واشنطن وأوريغون. وتختم بالقول: "نشهد تغيّرًا في مواقع التجمعات السكانية للحبار، ما يؤدي إلى تفاعلات جديدة مع فرائس ومفترسات غير مألوفة، وقد يُحدث ذلك آثارًا واسعة النطاق على النظم البيئية البحرية."
الحبار مخلوق مذهل، تطوّر ليُجيد الصيد والنجاة في بيئة قاتمة وظروف قاسية. إلا أن تدخل الإنسان، عبر الصيد المفرط والتلوث، بالإضافة إلى تغيّر المناخ، يُهدد هذا المفترس العتيق ويضعه في مواجهة تحديات جديدة تهدد بقاءه على قمة هرم أعماق المحيط.










