هل كانت قطر على علم بالضربة؟ وهل فضلتها كبديل لاعتقال قادة حماس؟

profile
  • clock 9 سبتمبر 2025, 4:51:50 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

متابعة: عمرو المصري

منذ أن تحولت الدوحة إلى مركز رئيسي للوساطة في ملفات الإقليم، وجدت نفسها في موقع بالغ الحساسية بين الأطراف المتصارعة. علاقتها بحركة حماس وثيقة، كما أن روابطها مع واشنطن متينة، ولها خطوط اتصال مفتوحة مع تل أبيب في ظل مسار التطبيع الخليجي. لكن الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت وفدًا قياديًا من حماس في الدوحة فتحت الباب لفرضية مثيرة: هل كانت قطر على علم مسبق بالعملية؟

هذه الفرضية تنطلق من معضلة الخيارات الصعبة التي واجهت القيادة القطرية. فالدوحة لم تكن في وضع يسمح لها بالقبض على قادة حماس أو ترحيلهم، لما في ذلك من انعكاسات داخلية وإقليمية قد تفجر غضبًا شعبيًا وتشوه صورتها كوسيط. في المقابل، كان من شبه المستحيل تحدي الضوء الأخضر الأمريكي الإسرائيلي لتنفيذ العملية. ومن هنا جاء الاحتمال بأن السماح بالضربة، أو التغاضي عنها، كان الخيار الأقل تكلفة من منظور القيادة القطرية.

الضربة كخيار أقل كلفة

في نظر بعض المحللين، ومنهم الدكتور سيد غنيم، زميل الأكاديمية العسكرية للدراسات المتقدمة والاستراتيجية والأكاديمية العسكرية الملكية في بروكسل، قد تكون قطر قد فضّلت أن تتم الضربة الجوية بدلًا من أن تتحمل بنفسها عبء المواجهة مع حماس على أرضها. فالتصادم المباشر مع الحركة كان سيترك وصمة على صورتها الإقليمية، خاصة وأن الدوحة بنت لنفسها خلال سنوات طويلة صورة الداعم للقضية الفلسطينية والملجأ السياسي لقياداتها. لذلك، إذا كانت الضربة قد نُفذت بعلمها أو بتغاضيها، فإن هذا يُقرأ كخيار تكتيكي لتجنب مواجهة مفتوحة مع حماس، مقابل القبول بخسارة معنوية مؤقتة أمام الرأي العام العربي.

وكت غنيم، على حسابه في منصة فيسبوك: “الهدف بالطبع، ممارسة المزيد من الضغط على حماس لتحرير الرهائن والاستسلام. لكن بفعلها هذا، تُظهر إسرائيل والولايات المتحدة غطرسةً وإذلالاً لإحدى دول الخليج. ربما قطر تفضل هذا الخيار على اعتقال قادة حماس الموجودين على أرضها بنفسها، إلا أن هذا التصرف سيُنظر إليه على أنه إذلال للقيادة القطرية واستقلاليتها، ولذا قدا تكون قطر نفسها على علم بالضربة قبل تنفيذها.. ويبقى مجرد احد الاحتمالات.. وإلا تتوقف قطر عن الوساطة بين إسرائيل وحماس. وفي كل الأحوال هذا سيعطل الاستمرار في إجراءات التطبيع مع السعودية، وربما تعطل الاتفاقات الابراهيمية التي أبرمت مع الإمارات والبحرين”

.

لكن هذا التكتيك لا يخلو من ثمن. فالخيار الأقل كلفة على المدى القصير قد يتحول إلى عبء استراتيجي على المدى البعيد، إذ يرسخ صورة قطر كوسيط تابع أو خاضع للإملاءات، لا كدولة ذات سيادة وقرار مستقل.

الإذلال السياسي وفقدان الاستقلالية

إذا صحت فرضية العلم المسبق، فإن ذلك يعني أن الدوحة قبلت عمليًا بدور "الوسيط المأذون له" لا "الوسيط المستقل". إسرائيل وأمريكا تعمدتا أن تكون الضربة علنية وصاخبة، لإظهار أن السيادة القطرية نفسها ليست محصنة أمام منطق القوة. هذا السلوك قد يُقرأ في المنطقة كرسالة إذلال واضحة، تعيد قطر إلى حجمها الوظيفي المحدد لها في معادلة التحالفات.

إن فقدان الاستقلالية بهذا الشكل يضرب أساس الدور القطري، فوسيط بلا سيادة أو بلا خطوط حمراء يصبح أقرب إلى قناة لنقل الرسائل أكثر منه طرفًا قادرًا على صناعة التوازنات. وهذا يضع الدوحة أمام مأزق طويل الأمد في صياغة صورتها الدولية التي حرصت على بنائها منذ سنوات.

انعكاسات على الوساطة القطرية

لم يكن الدور القطري في ملف المفاوضات الفلسطينية–الإسرائيلية مجرد دور تكتيكي، بل كان أحد ركائز السياسة الخارجية للدوحة. الضربة الأخيرة تهدد هذا الدور بشكل مباشر، لأنها تضعف ثقة حماس في حياد قطر، وتكشف أن الضمانات التي يمكن أن توفرها الدوحة ليست بالضرورة حقيقية. بالنسبة لأمريكا وإسرائيل، قد تكون قطر ما زالت "الممر الإجباري" للتواصل مع حماس، لكن الثقة الفلسطينية بهذا الممر باتت مهددة، وهو ما قد يعرقل مسارات التفاوض.

الأخطر أن هذا الضعف قد يفتح الباب أمام دول أخرى لمحاولة اقتناص الدور، مثل مصر أو تركيا، ما يعني أن مكانة الدوحة كوسيط رئيسي لم تعد مضمونة كما كانت من قبل.

تأثيرات على المشهد الإقليمي

الضربة لم تستهدف حماس فقط، بل استهدفت أيضًا صورة الخليج ككتلة مستقلة، ورسخت مجددًا أن سقف السيادة مرهون بالضوء الأخضر الأمريكي الإسرائيلي. بهذا المعنى، فإن ما جرى في الدوحة ليس حادثًا معزولًا، بل هو حلقة في مشروع أوسع لفرض مسار التهجير من غزة وإعادة صياغة المشهد الإقليمي وفق مصالح تل أبيب وواشنطن.

في ظل هذه القراءة، تصبح الضربة رسالة مزدوجة: لحماس بضرورة الرضوخ، وللدوحة بأن دورها محكوم بشروط قاسية، وللإقليم بأسره بأن زمن السيادة المنفلتة من القبضة الأمريكية الإسرائيلية لم يعد قائمًا. وهو ما ينذر بأن الأيام المقبلة ستشهد تصاعدًا في الضغط على أطراف أخرى، وفي مقدمتها مصر، لتقبل بدور وظيفي في مشروع التهجير، بعدما جرى إذلال قطر علنًا.

التعليقات (0)