-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
نورا المرشدي تكتب: قطار الحياة… ومحطات لا تعود
رحلة بلا خارطة... لكنها مليئة بالدروس
نورا المرشدي تكتب: قطار الحياة… ومحطات لا تعود
-
26 يوليو 2025, 3:59:31 م
-
437
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
يمضي قطار الحياة، لا يلتفت، لا يتوقف طويلاً، لا ينتظر أحدًا. يمرّ بسرعة الأيام، يركب فيه الجميع، لكن لا أحد يعرف تمامًا متى سيصل إلى محطته الأخيرة. في بدايته، تكون النوافذ واسعة، مشرقة، ترى من خلالها ضوء العالم ولعب الأطفال وهمسات الأم. تقف المحطة عند أول العمر، فتزهر الذاكرة بلحظات لا تُنسى: أول خطوة، أول كلمة، أول حلم صغير… كل شيء يبدو خفيفًا، وكأنّنا كنا نطير لا نسير.
لكنّ القطار لا يلبث أن يسرع. تتبدّل المحطات، وتبدأ الملامح حولنا تتغيّر. نغادر الطفولة إلى عالمٍ فيه مسؤولية، وقرارات، وطرقٌ تتفرّع بنا في كل اتجاه. كلما تقدّم القطار، ازدادت العقبات، وتحوّلت بعض المحطات إلى اختباراتٍ قاسية، لا تمنحنا وقتًا للراحة، ولا فرصةً للتراجع.
هناك محطات نتوقّف عندها مُجبرين، كفقدٍ مفاجئ، أو فشلٍ لا نعرف كيف ننجو منه. وهناك محطات نشتاق إليها، لكنّ القطار لا يعود إليها مهما بكينا. بعضها حمل الفرح، وبعضها حمل الدرس، وبعضها لم نفهمه إلا بعد أن ابتعدنا عنه كثيرًا.
ومع الوقت، نتعلّم أن ليس كل من يركب معنا سيكمل الطريق. البعض ينزل مبكرًا، البعض يختفي دون وداع، والبعض يبدّل مكانه في القطار، حتى نظن أننا لا نعرفه. الوجوه تتغيّر، والذاكرة تمتلئ، والنافذة التي كانت مشرقة في البداية، تُغطّيها غبار التجربة.
لكن الأجمل في كل ذلك، أن الحياة لا تتوقف. حتى حين نظن أننا تعبنا، أن المحطات باتت أثقل من قدرتنا، نجد أنّ في كل توقف فرصة جديدة. في كل تبدّل فرصة لاكتشاف أنفسنا من جديد، وربما فرصة لنجلس في القطار بطريقة مختلفة… ناظرين إلى ما تبقّى، لا إلى ما فُقد.
قطار الحياة لا يُعطينا خارطة طريق، لكنه يمنحنا الرحلة. وكم من مرةٍ تغيّرت وجوهنا من محطة إلى أخرى، وكم من مرةٍ فقدنا أشياء وأشخاصًا، لكننا بقينا في القطار، نحاول أن نُكمل المسير بكرامة، بشيء من الإيمان، بشيء من الحب، ولو لنسمةٍ تأتينا من نافذةٍ صغيرة






