-
℃ 11 تركيا
-
3 أغسطس 2025
منصة "OpenEvidence": الذكاء الاصطناعي يعيد رسم مستقبل القرار الطبي
منصة "OpenEvidence": الذكاء الاصطناعي يعيد رسم مستقبل القرار الطبي
-
3 أغسطس 2025, 1:42:21 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متابعة: عمرو المصري
في زمن يتدفّق فيه سيل الأبحاث العلمية بمعدل يفوق التصور—دراسة جديدة كل 30 ثانية وفق التقديرات—يجد الأطباء أنفسهم أمام تحدٍ غير مسبوق: كيف يواكبون أحدث الاكتشافات الطبية في الوقت الذي تُثقل فيه كاهلهم مسؤولية علاج عشرات المرضى يومياً؟ من قلب هذا الضغط، خرج رائد الأعمال في التكنولوجيا دانيال نادلر بفكرة طموحة: منصة OpenEvidence، التي تصفها مجلة فوربس الأمريكية بأنها "شات جي بي تي" مخصّص للأطباء، لكن بدقة علمية عالية وسياق موثوق.
وقد تمكنت المنصة في أقل من ثلاث سنوات من أن تفرض نفسها في مشهد الرعاية الصحية الأمريكية، لتصبح واحدة من أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الميدان الطبي، مع جذب استثمارات ضخمة واهتمام واسع من القطاع الصحي والأطباء على حد سواء.
ميلاد فكرة وتحول إلى ثروة
أُسِّست OpenEvidence عام 2022 على يد نادلر، الحاصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد، بمشاركة زميله زاك زيغلر. وقد نجح المشروع الناشئ سريعاً في استقطاب تمويل يفوق 210 ملايين دولار من كبار المستثمرين، على رأسهم GV (ذراع غوغل الاستثمارية)، لترتفع قيمة الشركة السوقية إلى 3.5 مليارات دولار، ما جعل نادلر نفسه مليارديراً بثروة تُقدّر بـ 2.3 مليار دولار، بفضل امتلاكه 60% من الشركة.
لكن اللافت في هذا الصعود ليس فقط رأس المال، بل النموذج الذي قامت عليه المنصة، والذي جمع بين ذكاء اصطناعي متخصص وبيانات طبية محكمة، ضمن تصميم وظيفي يخاطب حاجات الأطباء اليومية بشكل مباشر وعملي.
كيف تعمل المنصة؟
تعتمد OpenEvidence على خوارزميات ذكاء اصطناعي متطورة تقوم بمسح ملايين الدراسات العلمية المحكمة من دوريات مرموقة مثل New England Journal of Medicine وJAMA. الهدف: تقديم إجابات سريعة ودقيقة أثناء الاستشارات الطبية، مع تضمين المراجع الكاملة.
وتتميز المنصة بأنها ليست أداة تشخيصية بحد ذاتها، ما يعني أنها لا تتطلب موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA). وتُتاح خدماتها للأطباء مجاناً، إذ تعتمد الشركة على نموذج إعلانات مستهدفة شبيه بذلك المستخدم في محرك بحث غوغل.
وهذا الجمع بين الدقة العلمية وسهولة الوصول، شكّل نقطة الجذب الأساسية للمجتمع الطبي، وأطلق موجة تبني واسعة لها بين الأطباء.
تبنٍ واسع وثقة متزايدة
منذ انطلاقها، استطاعت OpenEvidence استقطاب 430 ألف طبيب أمريكي—أي حوالي 40% من عدد الأطباء في الولايات المتحدة—ويُستخدم حاليًا في أكثر من 8.5 ملايين استشارة شهرية.
ويُعدّ الاعتماد على المنصة في مواقف طارئة خير دليل على فعاليتها، كما روَت الدكتورة سوزان وولفر، التي أنقذت مريضاً على متن طائرة باستخدام OpenEvidence. فيما أكد الدكتور ترافيس زاك، المدير الطبي للمنصة، أن اعتماد الأطباء عليها قلل من تحكيم "الحدس الشخصي" في القرارات السريرية.
ومؤخراً، أطلقت الشركة ميزة DeepConsult، وهي خاصية جديدة تستند إلى نماذج تفكير منطقي متقدمة، تعمل على "ربط النقاط" بين الدراسات العلمية المختلفة، لتمنح الطبيب إمكانية الغوص في تحليل معمّق، دون الحاجة إلى التفرغ الكامل للبحث، وكأنه يعمل مع فريق خفي من حملة الدكتوراه.

نموذج اقتصادي مختلف عن السائد
ورغم وجود منصات منافسة مثل UpToDate، إلا أن OpenEvidence تميّزت بتصميمها من الصفر اعتماداً على الذكاء الاصطناعي، بدلاً من تكييف نظام قديم مع تقنية جديدة. كما أن النموذج الإعلاني المجاني الذي اعتمدته يُعدّ سابقة في قطاع التكنولوجيا الصحية، الذي لطالما اعتمد على الاشتراكات المدفوعة.
ويؤكد المؤسس نادلر على جدوى هذا النموذج، مشيرًا إلى أن الشركة تمتلك حالياً 350 مليون دولار من مخزون الإعلانات المحتملة، حتى وإن لم تُحوّل بالكامل إلى إيرادات فعلية بعد.
المستقبل: بوابة موحّدة للطب؟
يرى مستثمرون بارزون مثل توماس لافونت من صندوق Coatue أن OpenEvidence مرشحة لتكون المنصة المحورية التي ستُدمج فيها جميع أدوات الرعاية الصحية: من التحاليل إلى أجهزة الطب التشخيصي، لتصبح نقطة الانطلاق الموحدة لاتخاذ القرارات الطبية.
ومع أن نادلر رفض حتى الآن التوسّع إلى مجالات علمية أخرى، إلا أن تركيزه على الرعاية الصحية—خصوصًا في الدول ذات الخدمات الطبية المحدودة—يعكس التزاماً بإحداث تأثير ملموس على الأرض، قبل التوسع الواسع.
بين الذكاء الاصطناعي والطب
في عالم تتسارع فيه المعرفة بشكل يومي، تقدم OpenEvidence نموذجاً رشيقاً لتوظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة الأطباء، ليس كمجرد أداة تقنية، بل كجزء من البنية التحتية لاتخاذ القرار الطبي. المنصة لا تَعِد فقط بتسهيل حياة الأطباء، بل بإعادة تعريف دورهم: كقادة قرار يتكئون على علمٍ راسخ، لا على حدسٍ لحظي.
وربما تكون هذه هي البداية الحقيقية لثورة طبية جديدة، تُحرّكها البيانات الذكية، وتُسندها التكنولوجيا، وتُوجّهها الخبرة البشرية.








